الأزمة المفتعلة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين منذ أكثر من شهر, والشروط الخارقة لسيادة قطر, في الحقيقة عبارة عن فرصة لإيران لتثبت و وتعزز نفوذها الإقليمي. بادئ القول, إن الأزمة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي تسبب ضربة موجعة للمجلس ولوحدة أعضائه طويلة الأمد, التي كانت عاملاً من عوامل الاستقرار في العلاقات الخليجية-الايرانية.

ظلال الأزمة على مجلس التعاون

علينا أن لا ننسى أن مجلس التعاون الخليجي تأسس في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية, لغرض منع انتشار و تصدير الثورة الإسلامية من إيران لمشيخات الخليج الغنية بالنفط و المحمية من قبل الولايات المتحدة الامريكية. منذ ثمانينيات القرن الماضي ودول مجلس التعاون يُتلاعب بها بعدد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية, كدرع الجزيرة الذي يعتبر قوة عسكرية عابرة للحدود بين دول الخليج. اتفاق أقرب لليوم هو “الناتو العربي.” لم ينجح اي منهما في الوصول لأهداف بعيدة بسبب خشية الأعضاء الأصغر حجماً بأن يتم ابتلاعهم من قبل الأعضاء الأكثر قوة, بالأخص “الأخوة” في السعودية. تلك الخحاوف واضحة الآن في قطر, التي تجد نفسها في أكبر و أخطر أزمة منذ استقلالها عام 1971. وحتى وإن حُلّت الأزمة قريباً, فإن العلاقات لن تعود كما كانت عليها سابقا ً في مجلس التعاون. و كنتيجة لذلك, لن تكون هناك أية مظاهر تعاون أو وحدة في مجال الأمن والدفاع بين دول الخليج, حتى لو حلت القضية مع قطر سريعاً.

احتمالات العسكرة

في ضوء المهلة التي وضعها السعودية وحلفائها على قطر, تعيد هذه الأزمة إلى الأذهان الأزمة الكويتية عام 1990/91, عندما احتلت العراق جارتها الصغيرة الكويت. هنالك احتمالية ضئيلة بأن تتحول الأزمة الى أزمة عسكرية بطريقة بشعة بين الجانبين, والتي ستشكل بدورها صاعقة في الخليج ككل, فيما إذا شعر السعوديون العدائيون بنفاذ كل طرقهم السلمية لتركيع قطر. إن قطر الغنية قد تأقلمت مع أجواء الحصار عن طريق استخدام موانيء إيران و عُمان والهند, عبر المجال الجوي الإيراني مع الاعتماد على المساعدات التركية. تعاقدت قطر لشراء تقنيات عسكرية حديثة لتقوية خطوطهم الدفاعية. لذلك, يبدو أن الخيار العسكري لازال مستبعداً. و بما أن جزءً من القيادة الوسطى للجيش الأمريكي متواجدة في قطر, فإن الولايات المتحدة الأمريكية مجبرة على الدفاع عن سيادة قطر. عقبة أخرى أمام التدخل العسكري لدول الحصار. إن المناورات القطرية القائمة على التهديد بالتقرّب من إيران إذا ما استمرت السعودية بسلوكها التسلطي ربما قد تنجح و تقلب الأزمة لصالح قطر.

الأشقاء المحايدون

وقفت الكويت و عُمان على الحياد في الأزمة الحالية, و ذلك بسبب مخاوفهم من سلوك السعودية الغير مقبول تجاه الدول الأصغر بالمساحة الجغرافية في مجلس التعاون الخليجي, مسترجعين بعض من سلوكيات صدام حسين تجاه دول الخليج. إن السعودية منشغلة عسكرياً في حربها في اليمن, ولن تجد السعة لشن حملة عسكرية أخرى, تلك التي ستأثر سلبا في حال وقوعها على أداء المملكة في الساحة اليمنية. لذا فإن التوقعات الأكاديمية أن التحالف ضد قطر سيكتفي بشدّ عرى الحصار اقتصادياً وبعقوبات لوجستية أخرى مع الأمل أن يرضخ القطريون, هو الاحتمال الأقرب للواقع مع أن رضوخ قطر أمر مستبعد أيضاً. إن قطر دولة صغيرة مع موارد طبيعية هائلة و قوة ناعمة كافية لتضليل العقوبات الاقتصادية في حال استخدامها, استراتيجية كافية لإنهاء التدابير العقابية بحق دولة قطر.

الدبلوماسية القطرية

حتى الآن, كان رد الدبلوماسية القطرية ذكياً, رابطين امتثالهم بقائمة الشروط بقيام الطرف الآخر بنفس التدابير وفرض الحدود ذاتها داخلياً فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران في ضوء العلاقات المالية والتجارية الإماراتية – الإيرانية. في الحقيقة, إنه لمن السخرية أن تطالب الإمارات قطر بتحجيم علاقاتها مع إيران, بينما الأولى تستفاد من الأزمة لزيادة حجم التبادل التجاري مع إيران. سوف تخسر الإمارات ملايين الدولارات اذا استمرت على النهج الحالي تجاه قطر, و استمرت بتأييد خيارات السعودية الغير فاعلة تجاه الدوحة, خيارات يتم مناقشتها حالياً في اجتماع لوزراء خارجية دول الحصار في القاهرة.

هنالك خيار واقعي أمام مناوئي قطر, وهو تخفيض سقف التوقعات و الإقتناع بما تم تحقيقه من المكاسب حتى الآن. وإلا, فإن النتائج العكسية ستكون وخيمة, وستقوم إيران باقتطاف ثمار هذا الصدام كما فعلت سابقاً.

الكاتب: كيفن إل. أفراسيابي, عالم سياسي إيراني-أمريكي الجنسية, مختص بالشؤون الخارجية لإيران وملفها النووي

المصدر الأصلي للمقال: هنا

By taher