لا وجود لصراع الحضارات, لكن هناك اختلافات و توافقات فيما بينها, ولا يمكن اعتبار الثقافة الإسلامية السائدة في الشرق الأوسط استثناءً. تعتبر الثقافة مفهوماً عصياً على الإدراك. تختلف الثقافة في الشرق الأوسط عن الثقافة في أوروبا لاختلاف السمات المتضمنة في الأبعاد الثقافية لكل منهما. إدراك السمات الثقافية في كل من أوروبا والشرق الأوسط, يساعد على الوصول لفهمٍ للآخر. هذا المقال يحوي مقارنة بين الثقافتين على بعد واحد هو الإنجازالإسناد” (ascriptive vs. achievement) وهو خط أفقي تتراوح الثقافات المختلفة في الانتماء لأحد طرفيه.

حكيم خطيب رئيس تحرير: جورنال سياسات وثقافة المشرق باللغة العربية أكاديمي وباحث بالعلوم السياسية يعمل كمحاضر بالعلوم السياسية الشرق أوسطية والصحافة في كل من جامعتي فولدا و دارمشتاد للعلوم التطبيقية وجامعة فيليب في ماربورغ

[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last]

تناقض واضح بين الثقافة الشرق أوسطية والثقافة الأوروبية, حيث تفضّل الأولى الإسناد, بينما الثانية تفضّل الإنجاز. يكمن الفرق في الأسباب التي يضع المجتمع فرداً ما في مكانة معينة.

تفترض ثقافة الإنجاز أن يضع  المجتمعفلانمن الناس بمكانةٍ معينةٍ بناءً على إنجازاته. يقيّم المجتمع الأفراد بناءً على السجل الإنجازي. على النقيض, يُنزلُ المجتمع أفرادً معينين منزلتهم في ثقافة الإسناد بناءً على عوامل كـ العمر, مكان الولادة, القرابة, الطبقة, النوع الاجتماعي, العلاقات الشخصية, المال أو التعليم.

إنه من الأرجح أن تجد شخصاً في مجتمع شرق-أوسطي وهو يتبوأ مكانة اجتماعية لأسباب تتعلق بـ من هو“. بينما في مجتمع غربي, فإنه في الغالب تنسب المكانة الاجتماعية لشخصٍ ما لأسباب تتعلق بـما قد فعل.”

يميل الناس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لربط كفاءة المتقدمين لوظيفة معينة بالمكان الذي تخرج منه المتقدّم، لا بالتخصص الذي درسه. يأتي التخصص في المرتبة الثانية. في المجتمعات الغربية, تكون العملية معكوسة، حيث التخصص مفضّل على مكان التخرج.

المنحى الإسنادي للثقافة العربية أو الإسلامية كما يحلو للبعض تسميتها– في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا له أهمية كبيرة في طريقة تداول وإنتاج المعلومات. يقرر عمر الإنسان مدى مصداقيته, في بعض الأحيان ثروته أيضاً تقرر قيمة كلمته. في هذا السياق, يصبح الفرد مصدراً كافياً للمعلومات، بغض النظر عن النقص الواضح في المعرفة المأصلة التي يطرحها. لا حاجة للأدلة في الثقافة الإسنادية.

في أوروبا, يلعب عمر وثروة الإنسان قدراً أقل من الأهمية بالمقارنة مع أهمية الدلائل. لذلك, لا يكفي إسنادالمعلومة لشخص ما لتصبح حقيقة بالنسبة للآخرين. أي شخص بحاجة لتقديم خلفية معرفية ودلائل عن الموضوع الذي يتحدث عنه, ليثبت مصداقية معينة.

يعتبر قبول كل ما يقوله رجال الدين في الشرق الأوسط دون مراجعة مثال جيد في هذا السياق. فبينما لرجال الدين قولٌ تقريباً في كل قضيّة, فإنهم في بعض الأحيان لا يملكون قدراً كافياً من العلم لعقلنة نقاشاتهم. على الرغم من ذلك, فإنهم يتمتعون بشعبية كبيرة نظراً لـمن هملا لقيمة ما يقدمون. لا يحتاج هؤلاء لتقديم مصادر للمعلومات, هم مصادر العلم.

أمثلة من نقاشات لرجال دين عن ديناميكيات الحركة في الفضاء وتفاصيل عمل النظام الشمسي، كافية للتعبير عن ثقافة إسنادية عالية. ادّعى العديد من علماء الدين مراراً أن الشمس تدور حول الأرض, بينما الأخيرة ثابتة. من الواضح أن هذا نتاج قصر فهم علمي, ومع ذلك لا يلتفت الكثير من العلماء ورجال الدين في الشرق الأوسط لتصحيح هذه القضايا. هذا يعود لمكانة علماء الدين الرفيعة التي تمنع العلماء الآخرين من انتقادهم أو تصويب خطأهم.

أقرّ الشيخ عبد العزيز بن باز, وهو رجل دين بارز في المملكة العربية السعودية ومفتي الديار السعودية السابق, عام 1966 أنّ الأرض ثابتة وأنّ الشمس تدور حولها. أعاد الشيخ بن باز نشر فتواه عام 1976, وعدة مرات في التسعينات. أقر الشيخ ابن عثيمين ما استبعده الشيخ بن باز من دوارن الأرض حول الشمس, وأضاف أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وليس العكس, معللاً ذلك بوجود الليل والنهار.” يؤكد وجهات النظر هذه في معرض نقاشات أخرىالشيخ صالح الفوزان وآخرون.

أكّد الشيخ بندر الخيبري أنّ: “الأرض ثابتة لا تتحركفي خطاب جامعي في الإمارات العربية المتحدة. لإثبات وجهة نظره, استشهد الخيبري بأقوال بن باز والفوزان.

مثال آخر على ثقاقة الإسناد هو عرض مقعد لامرأة في المواصلات العامة لتجلس. هنالك احتما أكبر أن تتوقع امرأة من أحدهم أن يعرض عليها الجلوس مكانه في مواصلات عامة في الشرق الأوسط من تلك الاحتمالات في المجتمعات الغربية, حيث لا تتوقع المرأة من أحد أن يقدّم لها مقعده لتجلس.

تفتح ثقافة الإسناد المجال لمزيدٍ من الفساد والاحتيال, ولنسبة أقل من التنظيم. قد يصل أناسٌ معينون لأهدافهم فقط بسبب أصولهم الاجتماعية, لا بسبب كفائتهم وتنافسيتهم في تحقيق أهدافهم. فابن الرئيس, على سبيل المثال, يملك احتمالية أكبر أن يصبح رئيساً, نظراً لمنزلته المنسوبة إليه منذ الولادة. لا حاجة للمؤهلات لملئ هذه الوظيفة, حيث تلعب القرابة دور المؤهل الأكبر.

أعدّ حافظ الأسد ابنه باسل, وهو مهندس مدني, ليصبح رئيساً لسوريا. بعد وفاة باسل في حادث سيارة عام 1994, تم تدريب بشار وهو خريج لندن في طب العيون, ليكون رئيساً. ملئ بشار الشاغر الوظيفي عام 2000, بعد استفتاء شكلي تلا وفاة والده.

زيّن حسني مبارك ابنه جمال في الأوساط الشعبية والحزبية, وهو رجل أعمال, ليخلفه في حكم مصر. كذلك أعدّ القذافي ابنه سيف الإسلام لذات المهمة. تأخذ ثقافة الإسناد القرابة بعين الاعتبار قبل الإنجازات, وهي ثقافة مقبولة لدى كثير من الشرائح في الشرق الأوسط. في المجتماعات الغربية, هكذا تصرفات تعتبر فضائح. بينما تحتاج المجتمعات للكثير من الأفراد للتأسيس لعرف ثقافي جديد, يلعب الكثير من الأفراد أيضاً على أعراف ثقافية موجودة أصلاً في المجتمعات, لدعم موقعهم وزيادة منفعتهم.

لا يوجد حدٌ فاصلٌ واضح بين الثقافة الإسنادية وثقافة الإنجاز. تتنوع الثقافات المختلفة بموقعها على هذا الخط البياني, فبعضها يقيّم الإنجاز أكثر من الأخرى. تصبح هذه المفاهيم أكثر تعقيداً على المستوى الفردي. للتعليم والتجارب الشخصية دورٌ كبير في التأثير على توجهات الأفراد. لذلك, فليس كل شخصٍ في الشرق الأوسط صاحب ثقافة إسناديّة, ولا كل شخصٍ في أوروبا تدفعه ثقافة الإنجاز. بل هي درجات مختلفة في طبقات متعددة تقود ميل الأفراد في هذا الطريق أو ذاك.

يعود الاختلاف الثقافي لغنى التجارب الحضارية للحضارات المختلفة. لا وجود للثقافات الساكنة. كل الثقافات في تطور وتغيّر بطريقة أو بأخرى. في هذه الأيام, يجري تغيير كبير بشكل أسرع مما مضى.

حكيم خطيب رئيس التحرير

ترجمة: فريق إم بي سي عربي

المصدر الأًصلي للمقال: هنا

By taher