السعودية تتمدد في اليمن: جهاد أم هيمنة!

السعودية تتمدد في اليمن: جهاد أم هيمنة!

تمثل الحروب المندلعة في اليمن وسوريا معركة من أجل الهيمنة الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران. قد يكون هناك نصراً عسكرياً في جنوب اليمن، ومع ذلك، فإنه من الصعب ترجمة هذا النصر إلى إنجاز سياسي مستدام.
تحولت الحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، إلى صراع طائفي مرهق، وقد حولت أجزاء كبيرة من البلد الفقير إلى ركام قد يهدد الاستقرار في كل المنطقة.
أطرت المملكة نهجها بتعابير طائفية واضحة، مما أثار موجة من التعصب ضد الأقليات، الشيعة أولاً وأخيراً، والذين يعتبرون أدوات إيران التوسعية.
مخاوف المملكة أن نفوذها، المستند إلى إحتياطاتها النفطية وإدارتها لأهم المدن الإسلامية المقدسة، قد لا يشكل فرصة سانحة. شدة حزم النهج الذي تتبعه المملكة، وطائفيته وصلت إلى مستوى بذل جهود حثيثة لإستغلال هذه الإمكانيات من أجل ترسيخ مكانتها السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

جيمس إم. دورسيزميل بارز في معهد أس. راجاراتنام للدراسات الدولية – جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، المدير المساعد لمعهد فان الثقافة في جامعة فورتسبورغ، مؤلف مدونة، العالم المضطرب لكرة القدم بالشرق الاوسط وكتاب سيصدر قريبا بذات العنوان.
[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last]

ما الذي يجعل الفرصة مستمرة؟

الحزم العسكري غير المسبوق يشكل ركيزة أساسية لعقيدتها الدفاعية كما بين نواف عبيد، وهو باحث سعودي يتمتع بعلاقات وثيقة مع النخبة السياسية السعودية. حيث تضمن كلامه أن هذه العقيد تهدف إلى مواجهة ثلاثة مخاوف رئيسية وهي: ” عدم استقرار المنطقة، الانتقام أو النووي الإيراني، والإرهاب”.
في مقال نشر مؤخراً في المراقب، قال عبيد أن هذه العقيدة كانت صريحة في عملية القوات السعودية والقوات الخليجية الأخرى لسحق الانتفاضة الشعبية في البحرين، والتي وصفها بأنها ” تمرد مدعوم أيرانياً” وكذلك النجاحات الراهنة للقوات السعودية والخليجية والتي تحققها في إخراج المتمردين الحوثيين وقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد صالح من جنوب اليمن.
السعوديين وحلفائهم في مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة، يعملون سوية على إنهاء المهمة في الشمال بإخراج كل المجموعات التابعة لإيران بهدف السيطرة على البلاد بالكامل. بمجرد تأمين اليمن، سيبدأ السعوديون التخطيط للاستفادة من تحالفهم الاستراتيجي المتصاعد و من البنية التحتية العسكرية الكبيرة لمعالجة الحرب الإهلية السورية، كما أكد عبيد.
وأكد أن المخططين العسكريين السعوديين قد بدأوا بالفعل البحث في السناريوهات المحتملة التي تمكن الرياض من استخدام قواتها الجوية لتقديم غطاء للمعارضين للأسد وغير المرتبطين بالمجموعات الإرهابية. عاجلاً أم آجلاً، إئتلاف سعودي سوف يتدخل في سوريا، حيث ستصبح الجبهة الأكبر حجماً والأكثر خطورةً في الصراع بين المملكة وحلفائها العرب وبين إيران، أضاف العبيد.

صعوبة الإنجاز السياسي المستدام

الموقف الأكثر عدائية من جانب المملكة هو جزء من محاولتها تفادي إحدى قوة الطبيعة مستفيدةً من إمكانياتها المادية لمواجهة الفكر الثوري الإيراني منذ العام 1979 حينما صعدت الثورة الإسلامية. لقد حققت ذلك من خلال الترويج عالمياً لرؤيتها الإسلامية المتشددة والضيقة والتي ولدت تطرفاً أكثر، وتفسيرات عنفية اعتمدتها مجموعات مثل الدولة الإسلامية والقاعدة التي تتحدى حالياً الحكم الملكي المطلق المغطى بقشرة الإسلام.
بغض النظر عن حملتها النشطة، من غير المرجح أن تكون السعودية أهم اللاعبين حينما ينقشع الغبار عن النزاع الدموي الراهن والذي أثار أكبر موجة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
من الصعوبة بمكان توظيف النصر العسكري في جنوب اليمن في إنجاز سياسي مستدام. التدخل السعودي البعيد المدى في الشأن السياسي اليمني هو السبب الرئيسي في خلط القضايا اليمنية الشائكة والمعقدة بفعل الاستياء اليمني الواسع من التكلفة الإنسانية والإجتماعية التي نتجت عن الحملة العسكرية السعودية.
علاوة على ذلك، فإن المعركة في شمال اليمن قد يتبين أنها أكثر صعوبة من مثيلتها في الجنوب بسبب صعوبة تظاريس الشمال وكذلك بسبب وجود دعم شعبي أكبر للمتمردين فيها.
مازال السخط والاستياء الشعبي مستمراً في البحرين على نار هادئة قبل أن يطفو على السطح على الرغم من أن التدخل السعودي إضافة لأعمال القمع قد أحبط إلى حد كبير الاحتجاجات الجماهيرية. السلطات البحرينية المدعومة سعودياً وإمارتياً مازالت ترفض معالجة الأسباب الجذرية للأزمة ما قد يسبب خطر تأجيج التطرف وما قد يوفره ذلك من فرصة لإيران لإستغلال ما هو في الأساس قضية بحرينية داخلية.
أمام كل هذا، ورغم أي افتراض، الواقع أن السعودية لن تكون مرتاحة فيما تصبو إليه، إذ أن قوتها المالية والنفطية، إضافة لما تدعيه من إمتلاك السلطة الأخلاقية المستمدة من مكانتها بوصفها راعية للمدينتين المقدستين، كل ذلك قد لا يكون كافياً من أجل الهيمنة على المنطقة في ظل وجود دول كإيران وتركيا ومصر.
على الرغم من وجود مشاكل خاصة لكل منها، في نهاية المطاف هذه الدول الثلاث ستفرض وجودها على الطاولة، فالسعودية لا تملك أو أنها لا تقارن بما لديهم: إرث الإمبراطورية أو الهوية الممتد لآلاف السنين في التاريخ, عدد السكان الهائل والأسواق المحلية الضخمة, الأساس الصناعي المميز, الجيوش القوية, موارد الطاقة كما في حالة إيران وحتى مصر، مع مرور الوقت فإن هذه الإمكانيات أو المميزات سوف تقلل إن لم تحيد قوة المملكة التنافسية.

مسألة وقت

من المؤكد، أن السعودية تمتلك ميزة في العالم العربي من واقع أن أياً من إيران أو تركيا ليستا عرب. أن تكون عربياً ذلك لا يرجح الكفة في التنافس الإقتصادي أو في القوة العسكرية على الرغم من التوقعات بما ستنفقه السعودية عسكرياً لتمتين دورها الإقليمي.
إنها مسألة وقت قبل أن تتمكن إيران، كما أكد العبيد أن أكثر من 100 مليار دولار قد أنفقت فعلاً لتوسيع القدرات العسكرية التقليدية خلال السنوات الخمس الماضية وأن 50 مليار دولار قد خصصت لتغطية نفقات العامين المقبلين، والسعودية ملتزمة وقادرة على تعطيل قدرات الإيرانيين.
بالنسبة للملكة العربية السعودية، السؤال هو فيما إذا كان الحزم، المال، الإنفاق العسكري والمكانة الإخلاقية عناصر كافية لإنتهاز الفرصة في الواقع الراهن، وبالنظر لاحتمال الاتفاق النووي الوشيك الذي سيعيد إيران تدريجياً إلى الحظيرة الدولية. وامتلاك مصر القومية لأكبر حقل غاز شرقي المتوسط، وتركيا كقوة عسكرية وصناعية.
قد تجد المملكة أن نهجاً أكثر شمولية وأقل تشدداً، إلى جانب إهتمام أكبر بالتطلعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعب، بصرف النظر عن الرغبة الأكبر بالتعاون مع المنافسين الإقليميين، قد يوفر أمالاً أفضل في تحقيق الاستقرار والأمن.
أنه أمر طويل الأمد، في عالم فيه اسم اللعبة هو محاولة تشكيل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوسائل تتجاهل الحقائق على الأرض وتسعى إلى الحفاظ على الإنظمة مهما كانت التكلفة.

[starbox id=”none”]