يبدو أن أكبر مشاكل المغترب السوري، بعد مشاكله اللوجستية نتيجة جواز سفره وحسابه البنكي، هي مشاكله الاجتماعية مع العنصرية. بالتحدث عن الجالية السورية في أوروبا كمثال، يجد المراقب أن العنصرية التي يعاني منها السوريون ليست عنصرية أشقاء البلاد السابقين من لبنانيين أو أردنيين أو كرد، ولا هي عن عنصرية الرجل الأبيض في أوروبا (رجلاً كان أم أنثى) التي تعتبر بقايا ثقافة الاستعمار الأوروبي، ولكنها بشكل أساسي عنصرية السوري المغترب ذاته, اتجاه أفراد جاليته لا اتجاه الآخر.

يواجه السوري صعوبة في مواجهة واقعه المتردي أولاً, وأبناء بلاده ثانياً, فهو إذا لم يشاهد أياً من إخوته السوريين عندما كان في سوريا, بسبب ضعف الروح الوطنية في الإعلام والتعليم على حساب الروح القومية العروبية, وقضى حياته في قريته أو حارته الشعبية أو مدينته الصغيرة. لكنه اليوم إذ أجبرته الحرب على الخروج من قوقعته, يجد نفسه رافضاً لابن القرية الفلانية, أو الحارة الشعبية الفلانية على أن يكون “سورياً” مثله. ويشعر بالمفاجأة بالثقافة المختلفة كلياً عنه.

أمثلة عن العنصرية:

1-أول سؤال يسأله العنصري هو من أين أنت؟ وهو مصر على الإجابة ولا يقبل التهرب, وهو بالغالب يبحث عن دلائل ثقافية يجد فيها ضالته, وضالته أي شيء يدله على طائفة الشخص الذي يحدثه أو دينه أو توجهه السياسي أو درجة تمدنه. دلالاتٌ يستطيع من خلالها تقرير إذا ما كان المتحدث يستحق احترامه أو عنصريته.

2- تسمع العنصري يردد بشكل دائم: “كنت بدي روح عالمكان x لكن كتير في سوريين/عرب/مسلمين لهيك ما رحت”

” هاد المكان مليء سوريين/عرب/مسلمين مستحيل روح”

“العرب ملؤوا الدنيا بهي المدينة ما ينعاش فيها”

طبعاً ولصاحب هذه المتلازمة مواقف وأحكام من الأتراك والمسلمين والمسيحيين الشرقيين, الذي يعتبرهم بالغالب أكثر تحضراً بقليل أو بذات الدناءة إذا كان عنصرياً ضد الطائفية.

إذا كنت تقول هذه العبارات باستمرار وتعتقد أنها لا تشكل أي خطأ فجرب التالي:

استبدل كلمة “سوري” بكلمة “يهودي” وأعد نفس الجملة بصوت عال باللغة الإنكليزي أو أحد اللغات الأوروبية. بالمناسبة عدد ضخم من السوريين في المغترب يعتقد أن العنصرية ضد اليهود محقة تماماً, وقد يطبق ما سبق ويتحمل عواقبه القانونية وهو على قناعة أن عنصريته ليست عنصرية, وبأحسن الأحوال أنها عنصرية مبررة تاريخياً.

3-حريص على علاقته بغير العرب (الأوروبيين بشكل خاص) بغض النظر عن نقاط الاهتمام المشتركة, وحريص أن لا يخلط علاقاته بهؤلاء الأوروبيين بأي من دائرته الاجتماعية الغير أوروبية. وهذه أحد أكثر الصفات التي وجدتها منتشرة بين المغتربين السوريين. الفكرة مثال واضح عن ما يدعى (العنصرية الداخلية أو الرجعبة)  internal racism, وهي حالة فريدة من كره الذات self-hatred بحيث يعتقد المنتمي لمجموعة اجتماعية أنه هو وهذه المجموعة الاجتماعية التي ينتمي لها بواقع/صدفة الولادة صاحب درجة أدنى, وبالتالي, فهو يحاول الخروج منها, وإذا ما خرج منها فهو يعتبر نفسه “أكثر كفاءة” ويحرص على إبقاء أولئك الأقل كفاءة حسب رأيه بعيداً عن هذه المجموعة المتحضرة, حسب وجهة نظرته العنصرية.

4-السوري العنصري دينياً: وهو ذا نمطين, هنالك المسيحي الذي وجد اندماجه في المجتمع الأوروبي على أساس الدين, وتشرب طوعاً أو لاوعياً المشاعر السلبية التي قد تحملها المسيحية الغربية للشرق وللشرقيين أو للمسلمين بشكل خاص كأناس أقل تحضراً وأقل ملائمة للمجتمع الأوروبي كما تظهر دراسة جديدة لمركز بيو للدراسات، وذلك على الأغلب نتيجة لقرون طويلة من النزاع المباشر والغير المباشر بين ما يسمى الشرق والغرب. بالطبع يجد المسيحي الشرقي سهولة أكبر في الاندماج بالمجتمع الأوروبي المسيحي, ولعل هذا سبب من أسباب ازدياد أعداد المهاجرين الذين يعتنقون المسيحية في أوروبا، إذ تعد الكنيسة مركزاً مهماً للنشاط الاجتماعي في دول أوروبا الغربية.

النمط الثاني للسوري العنصري دينياً هو المسلم الذي اشتد التزامه بدينه مع وصوله لأوروبا ومواجهة نمط الحياة الأكثر انفتاحاً والأقل تعقيداً. هذا المسلم الحديث الالتزام, يرى في غير المسلمين وفي المسلمين الغير ملتزمين(حسب رأيه) أو المسلمين الذين لا يمارسون التعاليم الإسلامية بشكل دقيق، يجدهم على السواء محل شفقة. فهم, حسب رأيه, خراف ضالة, نهايتهم وقود لجهنم, يستحقون شفقته, وإن تكرم عليهم بشيء من النصح فهو نصح يلحقه منة, واستحقار إن لم يتبعه متلقي النصح, ووعيد بعذاب الآخرة, إن لم يكن وعيداً بعذاب الدنيا. ففي رمضان حيث يراقب المسلمون بعضهم من/كيف يصوم المسلمون الآخرون من جيرانهم وزملاء عملهم, مناقضين بذلك التشاريع الإسلامية ذاتها, التي تحض المسلم على عدم التدخل بعبادات المسلم الآخر, والصوم على وجه الخصوص. والعنصري الديني, إن ترك غير الملتزمين  لـ “ضلالهم” فهو ضمناً أو علناً يرى نفسه أعلى مرتبة منهم, وتراه كمستعمر أوروبي في الهند منتصف القرن الماضي، يعبر عن عنصريته بالمزاح أو بزلات اللسان. وهذه متلازمة المتدين بشكل عام، ولكن لها طابعاً خاصاً عصياً على الشرح لدى المهاجر حديث التدين, فهو معاكس لآرائه السابقة التي توصف بالأريحية الدينية, مصر على استحالة خطأ آرائه المتدينة الحالية, في تناقض فلسفي عميق حول جدوى نقاش الأفكار ومدى إمكانية التغيير.

و كي لا يقع المقال بما يحذّر منه ,من مدارك العنصرية والتعميمات العمياء فلا بد من ذكر أن هذه أمثلة عن صور المهاجر السوري وليست دراسة تقتضي التعميم والتصنيف. ولا بد من ذكر أن هذا المهاجر هو ابن مجتمع متدين بالغالب, حديث عهد بالتكنولوجيا, وصاحب تربية قومية في المدارس. كما أنه عانى لسنوات من الراديكالية السياسية والدينية في بلاده بغض النظر عن الراديكالية السياسية التي واجهت المغترب السوري في بلدان المغترب في الشرق الأوسط وأوروبا. إن هذه الإضاءة على الموضوع هي محاولة لتغيير الواقع للوصول لدرجة الانفتاح التي يطالب بها السوريون المجتمعات التي تستضيفهم أن تكون بها, أو للتخلص من الأمراض الاجتماعية التي ظهرت للعلن في المغترب في أجواء تسمح بالتعبير عن الذات.

مصطفى قره حمد
طالب ماجستير بقسم التاريخ والعلوم السياسية في جامعة زيغن في ألمانيا.
يركز بحثه على الثقافة السياسية والإعلام في منطقة الشرق الأوسط.
عمل سابقاً في برامج الأمم المتحدة
لإدارة التعليم في مخيمات اللاجئين في لبنان

By taher