أدان السيد سيغمار جابريل, نائب المستشارة الألمانية سابقاً والوزير الحالي للشؤون الاقتصادية في ألمانيا، العام الماضي سياسة المملكة العربية السعودية التي تقوم على تمويل المساجد الوهابية حول العالم. ففي ألمانيا قامت تلك المساجد بإفراز العديد من المتطرفين الذين يشكلون تهديداً للأمن العام على حد قول السيد جابريل. هذه الحملة لدعم الوهابية تقوم بها المملكة العربية السعودية إلى جانب بعض الدول والمنظمات في الخليج العربي، ممولةً بأموال النفط، مدعومةً بالمزايا الاستراتيجية التي تتمتع بها المملكة من خلال سيطرتها على الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة و المدينة. تمضي هذه الحملة بإشراف بلدان تعتمد على صلاتٍ عسكرية, أمنية واقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية.

ما الإشكالية إذاً في الفكر الوهابي؟ وفي حال وجود هكذا إشكالية، فهي مشكلة لمن؟ كإجابةٍ عن هذا التساؤل, يتضح أن الفكر الوهابي معضلة, ليس فقط بالنسبة لأولئك المهتمين بالأمن القومي في ألمانيا والدول الغربية، بل إنه أيضاً مشكلة للجميع تقريباً باستثناء أولئك الذين يبشرون بها.

يغفل جابريل وغيره من نقّاد الوهابية عن مجموعة من التساؤلات: ماهي الوهابية؟ ما الذي يجعل مسجد معين، حلقة تدريس دينية، مجموعة كتب, أطروحات، أشرطة تسجيل أو مواقع إلكترونية وهابية الطابع؟ وكيف لنا أن نميز بين الوهابية والسلفية على نطاق واسع مع وجود عدد قليل جداً حدّ الندرة من الوهابيين الذين يعرفون أنفسهم على أنهم وهابيون.

تعود الوهابية في بداياتها إلى تعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي ظهر في القرن الثامن عشر، و أبرم في العام 1744 اتفاقاً مع زعيم محلي لقبيلة آل سعود. وضع هذا الاتفاق نموذجاً للحكم السعوديالوهابي اللاحق، بحيث أن رجل الدين محمد بن عبد الوهاب وخلفائه سيقررون ما هو الإسلام الصحيح، والحاكم محمد بن سعود وأحفاده سيدعمون تفسير الوهابيين للإسلام، كما وسيحكمون المنطقة ويديرون البلاد ويقضون على المعتقدات والممارسات غير اللائقة.

تتضمّن دعوة ابن عبد الوهاب فهماً راديكالياً لفكرة التكفير، وأعلن عن أن معتقدات وممارسات معينة تعتبر ردة. حيث اعتبر أن السواد الأعظم من المسلمين الذين عاصروه كانوا مرتدين, تماماً كغالب المسلمين الذين عاشوا منذ القرن الثامن الميلادي. اعتبر ابن عبد الوهاب أنه من غير الكافي على المسلم أن يقوم بصلواته اليومية أو يصوم رمضان أو يتصدق أو أن يسعى للحج إلى مكّة، أو أن يشهد أن لا اله إلا الله. بل ينبغي على المسلم, ولتجنب تهمة الشرك الوثني والردة, أن يتخلى عن كافة الممارسات والمعتقدات التي من شأنها أن تنفي، ضمنياً أو صراحةً، فكرة وحدانية الله. أما من لا يتوب من المشركين يجب أن تتم تصفيته. أي شخص يشكك بمعتقدات وممارسات ابن عبد الوهاب ويعتبرها تحرّض على الردة، يعتبر هو ذاته مرتداً. أي شخص لا يدعم العقوبة المناسبة للمرتدين يعتبر مرتداً أيضاً.

أدان ابن عبد الوهاب الانتشار الواسع لبعض الممارسات، كبناء الأضرحة أو حتى بناء شواهد القبور البسيطة والتي ترتفع بضع إنشات عن سطح الأرض، أو زيارة أضرحة الأولياء والأئمة، أو رسم و عرض صور لحيوانات أو بشر أو ملائكة على شكل تماثيل، أو لوحات جدارية أو رسومات أو تلوينات، أو صناعة و ارتداء التعويذات، ممارسات كانت قد لاقت رواجاً لدى كثيرٍ من الحضارات الإسلامية. كما أدان تشريع أي قانون غير القانون الإلهي الذي علّمه النبي محمد، بالإضافة إلى أي شيء من شأنه أن ينقص من احترام الدين الإسلامي أو محمد, أو مساعدة غير المسلمين ضد المسلمين. لكي يتم اقتلاع الردة من جذورها، أصرّ ابن عبد الوهاب على ضرورة القضاء على القبور والأضرحة والأعمال الفنية والمرتدين الذين يقدّرون تلك الأشياء.

إن الادعاء بأن العقيدة الوهابية تتبع قراءة حرفية للقرآن لأمر مغلوط. فعلى سبيل المثال, لا يوجد في القرآن ما يقضي بوجوب توجيه المؤمنين إلى تسوية القبور بالأرض، كما ولا يوجد ما يقضي بضرورة تدمير التصويرات الحيوانية أو البشرية. ينتقي الفكر الوهابي آيات قرآنية محددة ويصل لنتائج لاهوتية منها. كما وأن الوهابية وفي أكثر تعاليمها عمقاً وتميزاً لا تعتمد على القرآن, ولكن على اختيار مجموعة من الأقوال والأفعال المنسوبة إلى النبي محمد.

خلال الحرب العربية الباردةوالتي اندلعت في ستينات القرن الماضي، بدأ الحكام السعوديون بتحويل التعاليم الوهابية إلى أيدولوجية مسلحة عابرة للحدود بين الدول الإسلامية، وذلك لأنهم شعروا بالخطر الذي يتهددهم من قبل القومية العلمانية المتجسدة بشخصية عبد الناصر في مصر، بالإضافة إلى التيارات الليبرالية, الاجتماعية والماركسية التي انتشرت على أوسع نطاق في المجتمعات العربية والإسلامية حينها. وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول الغربية، خاضت المملكة العربية السعودية حرباً بالوكالة ضد الأنظمة اليسارية، وطورت أيدولوجية وهابية عولمية كرد فعل على بعض أيدولوجيات الحرب العربية الباردة كالشيوعية والديمقراطية الليبرالية. رجال الدين والحكام السعوديون وجدوا قواسم مشتركة مع الأيدولوجيات الإسلامية الأخرى كمولانا مودودي في جنوب آسيا, ودوائر الإخوان المسلمين المرتبطة بشخصية قائد الحركة في مصر, سيد قطب. فبعد تنفيذ حكم الإعدام بحق قطب في مصر، منحت السعودية حق اللجوء السياسي لأخيه محمد قطب و لعدد من متطرفي جماعة الإخوان المسلمين, وقدمت لبعضهم مناصب جامعية ومنصات عالمية ذات أهمية متزايدة.

يرفض حكام ورجال الدين السعوديين مصطلح وهابي، مصطلح من شأنه ربط المعتقد بالتقاليد السعودية المحلية. ولذلك تداخلت جهودهم لتقديم الوهابية على أنها الإسلام الصحيح والمشترك في كل مكان. لذلك أصروا على أنهم لا يؤيدون الوهابية ولكن السلفية، اسم ارتبط بحركات إحياء دينية متنوعة ظهرت في بدايات القرن العشرين. مبدأ جوهري للفكر الوهابي, حسب توصيفاتهم لمعتقدهم, أنه ليس أكثر من إسلام السلفالحقيقي الذي اعتمده النبي محمد وأتباعه الأوائل.

يعتبر محمد بن باز من أكثر رجال الدين السعوديين أهميةً في التاريخ الحديث، فقد أخذ على عاتقه مهمة تقديم ونشر الأيدولوجية الوهابية الجديدة. فمن وقتٍ لآخر شغل ابن باز منصب رئيس لجنة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ورئيس الهيئة السعودية للبحوث الإسلامية والإفتاء, بالإضافة إلى تعيينه عضواً في الهيئة السعودية العليا للنشر الإسلامي, ورئيس جمعية الفقه الإسلامي في مكة, ومستشار الجامعة الإسلامية في المدينة. كما تم تعينه كمفتي عام للملكة العربية السعودية ورئيس اللجنة التأسيسية لرابطة العالم الإسلامي, ورئيس المجلس الأعلى العالمي للمساجد.

قام ابن باز ورجال الدين السعوديين من أبناء جيله بالإشراف على برنامج رئيسي لإحياء وشرح وإعادة نشر كتابات ابن عبد الوهاب عن التكفير. فعلى سبيل المثال وعندما قام عالم سوداني بارز يدعى محمود محمد طه بتقديم تفسير للقرآن يعارض تطبيق الشريعة في السودان، قام ابن باز بإعلانه مرتداً يستحق الموت. وبعد قيام الرئيس السوداني, جعفر النميري, بإلقاء القبض على محمود محمد طه البالغ من العمر آنذاك 76عاما وحوكم وتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه, أرسل ابن باز رسالة تهنئة للنميري. واجه المسلمون, من مصر إلى باكستان, الذين صاغوا تفسيرات للقرآن أو تحدوا الادعاءات الوهابية خطر اتهامهم ووصفهم بالمرتدين. أولئك الذين يطلقون اتهامات الردة نادراً ما تعرضوا للمسائلة أو اضطروا للدفاع عن اتهاماتهم. ولكن أولئك الذين وجهت لهم تهم الردة فإنهم وإن تمكنوا من الفرار من السجن أو حكم الإعدام، فإنهم سيخسرون أعمالهم، وهم وعائلاتهم سيواجهون سنيناً من التهديد والاعتداء. بعيداً عن الاتهامات المباشرة بالقتل والاضطهاد، فإن انتشار الفكر الوهابية سيؤدي بالضرورة إلى تهميش وإسكات المسلمين المعارضين للوهابية.

لا تعتمد الوهابية في انتشارها على المساجد الممولة من قبل السعوديين والكويتيين فقط، فإنها كذلك تنتهج طرقاً عدة. فعلى سبيل المثال, هناك عشرات الملايين من الحرفيين والمهندسين والمختصين في القطاع الطبي وآخرين من ذوي المهارات التقنية يأتون إلى دول الخليج الغنية بالنفط ويقيمون فيها لسنوات أو لعقود, عائدين بعد ذلك إلى بلدانهم بوضعٍ اقتصاديٍ جديد. توفر المملكة العربية السعودية الكثير من المنح الدراسية للشباب المسلمين حول العالم لدراسة الإسلام في المملكة, لاسيما أولئك الذين تنقصهم الفرص التعليمية في بلادهم، حيث توفر لهم منح سخية تتيح لهم فرص العيش والبقاء في المملكة لسنوات قبل العودة إلى بلدانهم والعمل كواعظين أو أئمة. كثيرٌ من القادمين إلى مكة والمدينة لأداء فريضة الحج يبقون هناك للدراسة في المدن المقدسة حيث أن الجامعة الإسلامية في المدينة أصبحت من أبرز المعاهد الدينية للإسلام السني. تنفق الدولة السعودية وعدد من أثرياء الخليج العربي أموال طائلة وتمويل العديد من المنشورات والشبكات الإعلامية المخصصة لنشر تعاليم الفكر الوهابي. كذلك تلعب الشبكات التجارية والمالية الخليجية دوراً هاماً حول العالم ولاسيما في الشرق الأوسط بدعم أولئك الذين يحتاجون تمويلاً لمشاريعهم الصغيرة أو الكبيرة، والذين سيجدون أن فرصهم سوف تزداد فيما إذا تبنوا واعتمدوا بعض المعايير الثقافية والدينية.

وفي تناقض شديد مع الحركة الوهابية الأصلية والتي توجهت بشكل خاص ضد بعض المسلمين، فإن الوهابية الجديدة تحذر من أن الإسلام يتعرض لتهديد خطير ليس فقط من قبل المرتدين ولكن أيضاً من قبل المسيحيين واليهود والملحدين والذين يتآمرون لدسّ أفكار في الإسلام بهدف تدميره من الداخل. أشرف بن باز على استصدار ترجمة للقرآن للغة الإنكليزية والتي تصوّر غير المسلمين ولاسيما المسيحيين واليهود كأعداء للإسلام ولله. يعتقد مترجموا القرآن بأن القرآن نفسه لم يكن واضحاً في هذه مثل المواضيع، ولذلك فقد أضافوا كلمات اليهودو المسيحيينإلى عشرات الآيات في ترجمة القرآن, بآلياتٍ صٌمّمت لعرض غير المسلمين بأسو طريقة ممكنة. فعلى سبيل المثال عندما يأتي القرآن على ذكر (غير المغضوب عليهم) في سورة الفاتحة, يضيف المترجمون المحلفون السعوديون تلقائياً كلمة اليهود.” وعندما يأتي القرآن على ذكر (ولا الضالين) يتم ترجمتها بكلمة المسيحيين.” كما أن هذه الترجمة العدائية للقرآن تم توزيعها بالمجان في كافة أنحاء العالم.

لقد وجدت المملكة العربية السعودية بأن دعمها للوهابية قد يسبب لها مشاكل في الداخل السعودي، ولاسيما عندما قامت في العام 1979 مجموعة من الطلاب المتدينين والمتأثرين بأفكار بن باز والباحث السوري المولد, ناصر الدين الباني، باقتحام المسجد الحرام في مكة وقتلت مئات الحجاج وهددت وجود آل سعود في سدة الحكم. وقد انتقدت هذه المجموعة الحكام السعوديين لسماحهم بعرض الصور الوثنية والتساهل مع العديد من أفعال الردة، بالإضافة إلى إقامة تحالفات مع قوى غير إسلامية. وقد ظهرت هذه الشكاوى ذاتها خلال حرب الخليج، عندما اعترض بعض رجال الدين السعوديين، ومن بينهم أسامة بن لادن، على وجود جنود غير مسلمين على الأراضي السعودية.

وفي أعقاب هذه الاحتجاجات، استرضت المملكة رجال الدين الوهابيين من خلال التنازل لهم ليفرضوا سيطرة أكبر على التعليم والمجتمع السعودي. كما وقامت بتصدير الشبان، الذين من الممكن أن يطالبوا بتطبيق صارم لتعاليم الوهابية داخل المملكة، للتبشير أو للجهاد خارج المملكة. وكرد للجميل، أكدت المؤسسة الوهابية على أنه لا يجوز تكفير الحاكم المسلم، منكرين موقف سيد قطب وغيره من الإسلاميين المتطرفين, موقفٌ تسامح معه الوهابيون سابقاً وتبنوه, و منطقٌ جديد كان مطمئناً لحكم آل سعود. لا يمكن اعتبار الحاكم المسلم مرتداً إلا إذا قام عمداً بسن قوانين ليست من قوانين الله، أو سمح عمداً للارتداد بأن يزدهر, على حد وصفهم. إن قام بذلك من باب الضعف أو الجهل أو الفساد الأخلاقي فإنه لا ينبغي أن تتم معارضته وإنما يجب أن يتم نصحه على نطاق خاص. بعد عقود من ازدياد الروابط السعودية مع الغرب، فقدَ علماء وهابيون ذوو أهمية صبرهم وأدانوا المملكة السعودية معتبرينها دولة مرتدة.

كيف يمكن للمرء إذاً أن يحدد العنصر الوهابي في الحركات المتطرفة أو الراديكالية اليوم؟ إنها بالطبع طريقة واحدة, ألا وهي أن تقرأ أو تستمع لما يبشر به الراديكاليون. على سبيل المثال كتاب ديانة إبراهيم المؤثر بالأوساط الراديكالية للمؤلف الأردني أبو محمد المقدسي، مستشار أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق. فعلى الرغم من أنه دائماً ما تتم الإشارة إلى المقدسي على أنه سلفي، إلا أن المصادر التي يستشهد بها في أغلب الأحيان هي لابن عبد الوهاب، أبنائه، أحفاده، وباقة من الكتابات الوهابية المبكرة.

الآثار الأخرى للفكر الوهابي قد تكون ملموسة. فعلى سبيل المثال ومع بداية الربيع العربي، تم تدمير أو تدنيس العديد من القبور والأضرحة في تونس، ليبيا، مالي والعديد من مناطق أفريقيا حيث وجِد فراغ في السلطة. كما وقامت الميليشيات الوهابية السلفية بالكثير من الأعمال التدميرية الأخرى إلى جانب بعض الأشخاص المحليين المتأثرين بالواعظين الوهابيين, والذين أخذوا على عاتقهم مهمة تدمير وتدنيس الأضرحة. إن التدمير المنهجي للتراث الثقافي والديني يعتبر تدميراً للتراث الإنساني ككل أيضاً. كل من يناهض هذا التدمير للتراث الإنساني من صوفية لشيعة لفنانين لمعماريين أو آثاريين, قد يواجه مصيره بالموت أو الاضطهاد.

في سوريا والعراق كان الدمار أكبر. نشرت مجلة دابق التي تصدرها داعش في عددها الثاني تقريراً تحت عنوان تقرير مصور عن تدمير الشركفي محافظة نينوى العراقية. إن التسميات التوضيحية للصور تكشف منطق داعش من تدمير تلك الأضرحة, منها: “تفجير القبة الحسينية في الموصل” (ص, 14), “جندي من الدولة الإسلامية يوضح للناس أهمية الالتزام بتدمير القبور” (ص,15), “هدم ضريح قبر البنت في الموصل” (ص,15), “تدمير ضريح وقبر أحمد الرفاعي في قضاء المحلبيّة” (ص,16)، تفجير معبد حسين جواد في تلعفر” (ص,17)

تابعت داعش أعمالها التخريبية على نفس الوتيرة بتدمير التراث المعماري والفني لحضارات ما قبل الإسلام في نينوى في العراق وتدمر في سورية. وفي الوقت الذي انخرطت فيه داعش بحملتها لتدمير الأضرحة والقبور والتراث الإنساني، قام موقعان إلكترونيان سنيان ذوو أهمية بإصدار فتاوى ترحب بتدمير حركة طالبان لتماثيل وأوابد بوذا الضخمة في منطقة باميان، ومن ثم تحطيم أعمال فنية أخرى في المناطق التي خضعت لسيطرتها آنذاك في أفغانستان عام 2001. كما وحثت الفتوى المسلمين على تدمير مثل هذه الأصنام والمقابر أينما وحيثما كان بإمكانهم القيام بذلك، مع الإشارة وبشكل خاص إلى منطقة سورية والعراق ومصر, وتحديداً صنم أبو الهول والأهرامات على حد وصفهم.

أحد الموقعين هو الإسلام سؤال وجواب IslamQA.info, وهو موقع مختص بالإجابة عن أسألة المتابعين. الموقع هو مشروع سعودي يديره الشيخ محمد صالح المنجد, أحد مريدي ابن باز. لقد تم تصنيف الموقع الإلكتروني على قائمة أكثر المواقع الإلكترونية زيارة بالتساوي مع الموقع الرسمي للفاتيكان. هذا التصنيف أصدرته منظمة أليكسا Alexa, التي تعنى بترتيب المواقع الإلكترونية وتصنيفها بناء على عدد زواراها. لا تسمح الحكومة السعودية للمنجد بالترويج لموقعه داخل المملكة وذلك لأنه ليس عضواً في اللجنة السعودية الرسمية للفتاوى, ولكنها بذات الوقت أعطته قاعدة قوية لانطلاق مشاريعه في الخارج. الموقع الإلكتروني الثاني الذي روّج لهدم التراث هو إسلام ويبIslamweb.net ، وهو الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف القطرية.

يعالج هذان الموقعان قضايا مختلفة كالإجابة على أسئلة عديدة ومنها: “هل يجب قتل كل المرتدين؟نعم، يجيب المنجد بشكل لا لبس فيه. وغالباً ما يتفق معه موقع إسلام ويب أيضاً. “هل يسمح للمسلم المتزوج ممارسة الجنس مع عبدة؟تم إرسال هذا السؤال إلى موقع إسلام سؤال وجواب في شهر آب من العام 2015، تماماً بعد قيام داعش بافتتاح سوق للنخاسة لبيع النساء والفتيات اليزيديات، اللواتي تم أسرهن بعد ما قامت داعش بمهاجمة التجمعات اليزيدية في شمال غرب العراق. نعم، بهذا أجاب الشيخ المنجد في رد بعنوان: الحكم على الجماع مع العبدة في حال كان للمرء زوجة. يجيب المنجد بأن الجماع مع العبدة مسموح به ولا يوجد للزوجة أي مبرر أو سبب للشكوى.”

البحث عن الوهابيين لن يحل معضلة الفكر الوهابية. ولا يمكن تناول هذه القضية إلا من زاوية التناقض التي تحمله السعودية, إذ أنها بحلف دفاعي مع الدول الغربية من جهة, ومن جهة أخرى تتبنى فكراً يصنف غير المسلمين ككفار, وحلفائهم من المسلمين كمرتدين. الأيديولوجية الوهابية تقدم رؤية متشائمة وحتى يائسة للإسلام, وكأن نور الإيمان كاد أن ينقطع من قبل المرتدين وغير المسلمين. على الرغم من تسميتهم تطهيريينلقربهم من ال Puritan” في التطور اللاهوتي الغربي, فإن مصطلح تصفويينسيكون أكثر دقة. تطالب الوهابية الإسلام أن يخضع لعملية تطهير عنيفة دائمة, تسلخ الإسلام من الثقافات والحضارات التي طوّرها على مدار أكثر من ألف عام, وأن يحمي نفسه من تأثيرات أفكار غير المسلمين. ما لم يتم التعامل مع حالة التكافل المختل بين الأمراء ورجال الدين في المملكة العربية السعودية وحالة التكافل المختلة بين المملكة العربية السعودية وحلفائها من غير المسلمين، فإن الفكر الوهابي سيبقى مرتكزاً على استرجاع نقاءٍ يفتقره تعريفه ذاته.

الكاتب: مايكل سيلز / بروفيسور تاريخ وآداب الإسلام والأدب المقارن في جامعة شيكاغو الأمريكية.

ترجمة: جمانة الأسعد

المادة الاصلية باللغة الإنكليزية هنا

By taher