يقول المؤيدون أنه يعظ الإسلام بأسلوب عصري، بينما يتهمه المعارضون بأنه الذئب الجائع للسلطة في ثياب الحمل الذي يتأهب لتحويل تركية العلمانية إلى دولة إسلامية، وأنه المتآمر الذي خلق دولة داخل وحاول مؤخراً لااطاحة بالرئيس أردوغان المنتخب ديمقراطياً من خلال إنقلاب عسكري فاشل.

لم يكن الماضي كذلك، الحكومة التركية أو على وجه الخصوص السيد أردوغان الذي رأى في السنوات الثمان الأولى من حكمه كرئيس حكومة أن فتح الله غولن زعيم واحدة من أكبر وأغنى الحركات الإسلامية في العالم.

بالعودة إلى التسعينيات، رئيسة الوزراء العلمانية تانسو تشلير ومسعود يالمظ وقادة سياسيين وعسكريين آخرين كانوا يرون في غولن سلاحاً فعلاً ضد الحزب الإسلامي السابق “الرفاه”، السلف لحزب أردوغان العدالة والتنمية الذي دعى إلى طلاق تركيا عن الغرب والعودة إلى جذورها الإسلامية والعثمانية.

كذلك، رأى السيد أردوغان في البداية، غولن حليفاً عزيزاً، فعمل الرجلان معاً في صف واحد مع مطالب الاتحاد الأوربي لقبول تركيا كعضو في الاتحاد الأوربي لإجبار الجيش العلماني بأن يكون تحت سلطة مدنية.  الأمر الذي شكل هدفاً مشتركاً للرجلين على غرار العلمانية الفرنسية برفع القيود عن حرية التعبير الدينية والتي طالما قاومها الجيش. لم يكن لدى السيد أردوغان في ذلك الوقت أية مشكلة في أن يعمل أتباع غولن على تأسيس قاعدة سلطة موازية ضمن جهاز الشرطة والجيش.

يشير الانقلاب الفاشل مؤخراً إلى وجود عناصر في الجيش مازالوا يعتقدون بدور غير دستوري للجيش، ومع ذلك وفي ذات الوقت، لحساب السادة أردوغان على السيد غولن ، فإن أجزء كبيرة من الجيش والمعارضة والجماهير دعمت الرئيس المنتخب ديمقراطياً وساعدت في إفشال الإنقلاب بغض النظر عن موقفها من سياساته وقيادته.

تحركات السيد غولن في أفرع الحكومة، كنسخة عن حركة الزعيم الطلابي الألماني رودي دوتشكه بالتغلغل في المؤسسات، تعكس استراتيجيته البعيدة المدى. السيد غولن يدعو في وعظه إلى طاعة الدولة والاعتراف بسيادة القانون وفي نفس الوقت يزرع أتباعه في مؤسسات الدولة الرئيسية ويثقف الجيل القادم بقالبه العقائدي (الايديولوجي).

في الواقع، بعد أكثر من نصف قرن منذ أن أصبح أول إمام موظف في الدولة، اعتمد السيد غولن هذا الدور. غالباً ما يرتدي الملابس الرياضية التي تظهر شخصية القائد الديني العصري أكثر من الحماس للقومية التركية أو الجهاد الإسلامي.

العجوز الكئيب البالغ من العمر 75 عاماً، فإنه علاوة على ذلك، يتحدث كلاماً يتجنب فيه غالباً استخدام اللغة المستخدمة من قبل اليمين القومي التركي أو الاسلاميين.

كنتيجة، فإن النهج الحداثي للسيد غولن انتشر في المناطق المحافظة المعتدلة وبعض الشرائح الأكثر تحرراً في الطبقة الوسطى. هذا النهج يتناقض تماماً مع نهج السيد أردوغان الذي استهدف الأرياف الأكثر محافظة و القوميين.

لقد كانت حقاً دعوة السيد غولن للتسامح والحوار والتعليم الدنيوي إضافة لدعمه لعلاقات وثيقة بين تركيا وأوربا سبباً لمحبته من قبل قادة البلاد العلمانيين في التسعينيات وبالتالي محبة السيد أردوغان له.

“يمكننا بناء الثقة والسلام في هذا البلد إذا تعاملنا مع بعضنا البعض بالتسامح”، هذا ما قاله السيد غولن في أول مقابلة نادرة في ذلك الوقت لمراسل أجنبي. وأضاف “لا يوجد مكان للشجار في هذا العالم … من خلال التأكيد على دعمنا للتعليم ووسائل الإعلام، يمكننا أن نثبت أن الإسلام منفتح على الأشياء المعاصرة”، وأضاف بأسلوب بطيئ ومتعمد باقة من الكلام بنفحة من الكلمات التركية العثمانية القديمة التي تعتبر غريبة على الأتراك المعاصرين.

السيد غولن مريض السكري والقلب، كرس نفسه، منذ اعتزاله رسميا في مطلع التسعينيات، لكتابة مساحات عن الإسلام. ومع ذلك، فإن كتاباته أو إدارة المؤسسات مرتبط به فيها القليل من نقاط إدارة التجديد الديني.

من بين أمور أخرى يحمل السيد غولن وجهة نظر محافظة لدور المرأة، وقد قال إن حضور المرأة يجعله غير مرتاح.  وقال أيضاً انه كان شيئاً قد شعر به منذ أن كان شاباً. فليس من المستغرب إذاً أن حركة السيد غولن تنشئ مدارس غير مختلطة.

ثم تطورت حالة السيد غولن، في منتصف التسعينيات عندما سألت زائرة عن مكان دورة المياه في المقر الرئيسي لصحيفته “زمان”، في رويات متعددة قال موظفون أن البناء غير معد للزائرات، أحد أفراد فريق العمل أُرسل ليتأكد من أن مرحاض الرجال كان غير مشغول. هذا الأمر تغير وأدخلت مراحيض النساء إلى المبنى منذ زمن طويل. في آذار مارس من ذلك العام أرسل السيد أردوغان عناصر الشرطة لسحب الترخيص.

يقول منتقدون أن حداثة السيد غولن المزعومة  قد لا تكون ما يطمح حقيقةً إلى إنجازه، “مشروع فتح الله الرئيسي هو الاستيلاء على الدولة. هذا هو السبب في أنه كان يستثمر في التعليم. انهم يعتقدون ان الدولة ستسقط في أحضانهم حالما سيكونون مستعدون لذلك، سيكون لديهم ناس في كل مكان، هذه هذ خطتهم على المجى البعيد.” هذا ما قاله أحد أبرز مفكرين الليبرالين الأتراك.

في الواقع، حركة السيد غولن، على الرغم من رؤية الإمام على المدى الطويل، سعت بشكل فعال أواخر عام 2013 إلى تقويض حكومة السيد أردوغان من خلال اتهامات بالفساد ضد وزراء في حكومة رئيس الوزراء آنذاك وأفراد أسرته. التهم والأدلة المزعومة التي تدعمهم لم يتم فحصها من محكمة قانونية.

السيد اردوغان كان على يقين من ذلك. بالنسبة له، كانت التهم هي القشة التي قصمت ظهر البعير. ما كان تصعيداً في التفرقة بين الناس تلك الطرق التي بدأت مع كرة القدم بفضيحة التلاعب بنتائج مباريات في عام 2011 والتي تحولت في أواخر عام 2013 إلى حرب مفتوحة مع إحراق السيد أردوغان أو نقله لآلاف من العاملين في سلك القضاء وضباط الشرطة إلى وظائف أخرى، أغلاق التحقيق، والسعي لتدمير امبراطورية السيد غولن الدينية والتعليمية والتجارية.

الحقيقة أن الشرطة لعبت دوراً رئيسياً في إحباط محاولة الانقلاب مؤخراً وهذا ما يشهد على الدرجة التي نجح فيها السيد أردوغان في محو تأثير السيد غولن على الشرطة. مؤخراً إقالة ما يقرب من 3000 من القضاة وإصدار أوامر بالقبض على 140  منهم بناء على مزاعم تورطهم مع السيد غولن وما يشير إلى أن السيد أردوغان يعتقد أن جهوده في تدمير البنية التحتية للإمام كانت أكثر نجاحاً في الشرطة مما كانت عليه في القضاء.

لا شيء من هذا يرقى إلى مستوى دليل على صدق ما يؤكده أردوغان من أن السيد غولن هو مهندس محاولة الانقلاب الأخيرة. الأمر مشابه جداً للسنوات الأخيرة، فقد استخدم السيد أردوغان التهديد المزعوم بوجود دولة داخل الدولة، وكذلك التدابير الاستبدادية على نحو متزايد لإزالة منتقديه من وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية ومحاولة إرهاب المعارضة البرلمانية لتحويل تركيا الى دولة أكثر استبداداً.

نموذج أردوغان التصعيدي المتشدد في الديمقراطية التركية والذي من خلاله يدعي الجمهمور للاحتجاج بالنيابة عنه ولكن ليس ضده يجعل من السهل نسبياً الادعاء بمزاعم لا أساس لها. ومع ذلك فإن السيد أردوغان مطالب بتقديم أدلة دامغة إذا ما ذهب قدماً في الطلب رسمياً من الولايات المتحدة تسليم السيد غولن الذي يحامل البطاقة الخضراء ومن المقيمين في ولاية بنسلفانيا.
حتى ولو كانوا أولائك الذين نظموا الانقلاب الفاشل قد طردوا لكونهم من أتباع السيد غولن، فإن السيد أردوغان سيظل عليه إثبات أن السيد غولن كان على علم ومشارك في خططهم.  قد يكون الكلام أسهل من الفعل.

بالعودة إلى العام 2011، في فضيحة التلاعب في نتائج مباريات كرة القدم، والدلالات الأولى لتزايد الخلاف بين الإسلاميين الإثنين، اعتذر السيد غولن من أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد النوادي المعنية.  وقال الداعية إذا كان أتباعه متدخلين عن علم في مقاضاة المسؤولين التنفيذيين لكرة القدم واللاعبين، فإنه لم يكن على علم بذلك. لقد كان إيحاءاً ساذجاً بأن السيد غولن رجل ضعيف وطاعن في السن، وأنه قد يكون قد فقد السيطرة على الإمبراطورية التي بناها.

لا شيء من هذا يرقى إلى مستوى دليل على صدق ما يؤكده أردوغان من أن السيد غولن هو مهندس محاولة الانقلاب الأخيرة. الأمر مشابه جداً للسنوات الأخيرة، فقد استخدم السيد أردوغان التهديد المزعوم بوجود دولة داخل الدولة، وكذلك التدابير الاستبدادية على نحو متزايد لإزالة منتقديه من وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية ومحاولة إرهاب المعارضة البرلمانية لتحويل تركيا الى دولة أكثر استبداداً.

جيمس إم. دورسي زميل بارز في معهد أس.راجاراتنام للدراسات الدولية، جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، المدير المساعد لمعهد فان الثقافة في جامعة فورتسبورغ، مؤلف مدونة، العالم المضطرب لكرة القدم بالشرق الأوسط وكتاب سيصدر قريباً بذات العنوان


By Mohanad Albaaly

A trained lawyer since 1997 and licensed by Damascus University Council. Mohanad is a human rights activits and he's also an editor at the MPC Journal in Arabic.