فشلت الأنظمة السياسية في منظقة شرق الأوسط وشمال إفريقيا في إيجاد هوية قومية موحدة. مما أدى لنتائج كارثية ومعضلات تستعصي على الحل. داعش كانت نموذجاً لظهور العنف والتطرف كمشروع سياسي في المنطقة.

في تاريخ العراق المعاصر, كان هناك دائماً –ولايزالمجموعة عرقية أو دينية مستأثرة بالسلطة السياسية على حساب المكونات الأخرى. فعلى سبيل المثال, قاد المكوّن العربي السني الأقلوي في العراق السلطة منذ عهد فيصل بن حسين في عشرينات القرن الماضي وحتى نهاية عهد الرئيس الأسبق صدام حسين عام 2003. مذ ذاك التاريخ, يسود نمط مشابه للاستئثار بالسلطة في العراق, هذه المرة تحت حكم الشيعة.

الاستبداد الطائفي؟

فشلت الدولة الوطنية في العراق في تكوين هوية جمعية مشتركة بين مواطنيها, هوية تتخطى الانتمائات الدينية والإثنية. وبدلاً من أن تكون الدولة مصدراً لأمن مواطنيها, أصبحت الدولة خطراً على سلامتهم. ذلك الشعور بالاستبعاد والتهميش أدى إلى ردة فعل. من هنا بحث المواطن المثتسنى من الأمن عن مؤسسات و أُطر أخرى خارج نطاق الدولة, وفي رحلة البحث عن الأمان والاستقرار, عاد الفرد في العراق للهوية القومية أو الطائفية التي ينتمي إليها. تكتلت كل مجموعة تحت هوية معينة, مدافعين عن أمن وبقاء هويتهم العرقية ضد أي تهديد سواءاً كان من طائفة أخرى أو من الدولة ذاتها. إن الشعور بالأمن قد اختُصر بأمن المجموعة العرقية أو الطائفية, واقتصر التمثيل السياسي على تمثيل الفرد ضمن طائفته أو مذهبه, وليس ضمن إطار الدولة.

اتسمت فترة حكم حزب البعث للعراق بممارسات استبدادية قامت بتهميش الشيعة والكرد, واتبعت سياسة تفاضلية تعطي الأولوية للسنّة دون غيرهم في المؤسسات الحكومية والعسكرية. واجه الكرد حملات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي أثناء تلك الحقبة, و استبعد البعثُ العرب الشيعة عن المشاركة في إدارة الدولة والجيش, وتم منعهم عن ممارسة شعائرهم الدينية.

لم يتغير هذا الواقع كثيراً بعد 2003, استمر النمط ذاته من الاستبداد الطائفي في هيئات الحكم الجديدة. أصرّت الأحزاب الشيعية, مشبّعة بمخاوف الماضي القريب, على إحكام السيطرة على السلطة بأي ثمن, مما إدى لولادة حكومة ميّالة للشيعة, و جعلَ من حلم الدولة العراقية الجديدة الشاملة غير قابلٍ للتحقيق.

عودة السنّة

كانت حقيقة مؤلمة للسنّة أن يروا أنفسهم خارج دائرة الحكم, بعد أن كانو الشريحة المفضلة لحزب البعث الحاكم وللحكومات العراقية قبله. لأول مرة في تاريخ العراق الحديث, أصبح السنّة أقلية خارج الحكم. وانتقلوا من موقع الهيمنة على الدولة إلى أقلية برلمانية متبعثرة و تمثيل حكومي ضئيل وسط نظام حكم تستأثر به أحزاب دينية شيعية. كان السنّة غائبين في الجيِش والخارجية ومراكز الدولة الأساسية, ولم يعد بإمكانهم لعب دور رئيسي في العراق, خصوصاً في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

كما أن الديموقراطية التمثيلية ومفهوم الأغلبية والأقلية البرلماني لم يكونا في مصلحة السنّة, ناهيك عن حالة الاستبداد الطائفي للدولة العراقية التي ساهمت في تنحيتهم عن الحكم في العراق. كل ذلك أدى للجوء لطرق أخرى غير ديموقراطية بهدف العودة إلى السلطة. لقد تبدّلت الأدوار هذه المرة, و أصبحت الدولة التي تقودها أغلبية شيعية تشكل خطراً على الأقلية السنّية, خصوصاً بعد سنّ قانون الإرهاب الذي أتاح للقوات الأمنية ملاحقة السنّة بتهمة الانتماء للجماعات الإرهابية.

أدى الواقع السياسي في العراق لتنامي الجماعات المتطرفة داخل المكوّن السنّي و ظهور جماعات كالقاعدة وجيش الطريقة النقشبندية, واخيراً داعش. أراد السنَة استعمال الجماعات المتطرفة من أجل أهدافهم السياسية في العراق. كما عملت تلك الجماعات على استخدام السنّة في خدمة الأجندات الجهادية.

شركاء غير حقيقيون

إن النفوذ الإيراني المتزايد والهيمنة الشيعية في العراق جعل من العراق أرضاً خصبة لداعش, من حيث استغلال الخوف والقلق العميق بين العرب السنّة في العراق بعد انهيار نظام صدام حسين. ركّز المتطرفون على مشاعر الغضب من القوات الأمنية العراقية الجديدة, الواقعة تحت سيطرة الأحزاب الشيعية. أيّد الكثير من أبناء العشائر السنّية في العراق داعش كمشروعٍ موازٍ للجمهورية الإسلامية الإيرانية, وهكذا أصبحت داعش خليطاً بين المتطرفين الجهاديين و القوميين البعثيين السنّة من ضباط الجيش العراقي السابق.

ولكن تلك الشراكة بين داعش والعرب السنّة لم تدم طويلاً. عندما قام داعش عام 2014 بإعدام المئات من أبناء العشائر, و عدداً من القيادات السنّية من الضباط السابقيين في الجيش العراقي. تبيّن للسنّة حينها أن داعش ليسوا المدافع الحقيقي عن حقوقهم. بل تم استغلالهم من قبل داعش ضد الحلفاء السياسيين الآخرين.

أخيراً, يبدوا أنّ الحل الجذري لمشاكل المنطقة عموماً والعراق خصوصاً يكمن في إعادة رسم المنطقة, لأن الأنظمة الحالية و الدول الموجودة ليس بمقدورها أن تكون دولاً قوية, متماسكة, عقلانية و فعّالة. الدول الحالية لا تمثل شعوبها, بل تستبدهم و تهمشهم.

المادة الاصلية باللغة الإنكليزية هنا

دارون رحيم : هو مرشح دكتوراه في جامعة إرفرت في ألمانيا. حاصل على درجة الماجستير في الدراسات الأمنية من جامعة بوندسوهر في ميونيخ. وهو أيضا زميل باحث في مركز جورج سي مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية. وقد عمل كمساعد شخصي للمتحدث باسم برلمان إقليم كردستان.

By taher