© Photo: Verdict UK.

سنوات الصراع الداخلي التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين ونظامه في العراق عام 2003، تبعتها مؤخرا درجة من الاستقرار الهش.

العراق هو اتحاد فيدرالي مكون من ثلاثة عناصر غير متوازنة – الأغلبية الشيعية ، والأقلية السنية والأكراد في إقليم كردستان الشمالي الذي يتمتع بحكم ذاتي. لكن العراق يواجه أيضًا آثار خلافة الدولة الإسلامية التي سيطرت على مناطق واسعة من البلاد لأكثر من ثلاث سنوات. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومة التعامل مع وجود متنافسين سياسيين في داخل المشهد السياسي وهما الولايات المتحدة وإيران.

توصلت الأحزاب السياسية في العراق، والتي تعكس توازن القوى السياسية والدينية التي يقوم عليها الدستور العراقي، إلى اتفاق غير رسمي يقضي بموجبه أن تكون الرئاسة مخصصة للأكراد، ورئيس الوزراء للعرب الشيعة، ومنصب رئيس البرلمان للعرب السنة.

وفقًا لذلك، في أكتوبر 2018 تم انتخاب السياسي الكردي العراقي برهم صالح من قبل البرلمان لمنصب الرئيس لفترة أولية مدتها أربع سنوات كحد أقصى. تماشيا مع الاتفاق السياسي، قام صالح بتعيين عادل عبد المهدي، وهو شيعي كرئيس للوزراء.

يواجه عبدالمهدي، الذي يتمتع بخبرة واسعة في المجال الوزاري، أجندة هائلة. إن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض نتيجة جهد موحد من قبل القوات الحكومية والقوات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة وائتلافها، تركت عبدالمهدي يواجه مهمة إعادة بناء البنية التحتية لأجزاء كبيرة من البلاد.

ومع ذلك، على الرغم من استرجاع جميع الأراضي التي كانت في السابق جزءًا من خلافة داعش، فإن الآثار المدمرة للتنظيم الإرهابي لم يتم تجاوزها فعليًا.

في فبراير 2019، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في تقرير إلى مجلس الأمن إن تنظيم داعش “قد تطور بالفعل إلى شبكة سرية … إنه ينظم خلايا على مستوى المحافظات في محاولة لإعادة خلق الوظائف القيادة الرئيسية”.

وقال جوتيريس إنه على الرغم من خسائره، فإنه لا يزال يسيطر على ما بين 14000 و 18000 مسلح في العراق وسوريا. يبدو أن الخلايا “تخطط لأنشطة تقوض سلطة الحكومة، وتخلق جواً من الفوضى، وتخريب المصالحة المجتمعية وتزيد من تكلفة إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب”.

وتشمل أنشطة داعش عمليات اختطاف من أجل الفدية واغتيالات لاستهداف زعماء محليين وهجمات ضد المرافق والخدمات الحكومية، بما في ذلك إشعال النار في المحاصيل محاكاة لهجمات حماس على المزارعين الإسرائيليين بالقرب من غزة.

هناك مشكلة إنسانية حادة تواجه السلطات أيضًا. زارت السناتورة الأمريكية المنتخبة حديثًا في ولاية إلينوي، تامي داكورث، العراق مؤخرًا ووجدت أن حوالي 30،000 من الأرامل وأطفال جنود داعش القتلى تم احتجازهم في معسكرات في الصحراء، بما في ذلك 10000 طفل دون سن الخامسة. لم تكن قادرة على التوصل إلى أي شيء ملموس بالنسبة لمصيرهم.

في مقابلة مع الرئيس صالح، انتقد الصحفي كريستيان كاريل الصعوبات التي تواجه الدولة. أشار صالح نفسه إلى أن الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، قد تم استعادتها من داعش قبل أكثر من عام، ومع ذلك تظل المدينة في حالة خراب. ناقش الرئيس مدى فعالية الآلية الإدارية في العراق والحاجة إلى محاربة ثقافة الفساد الراسخة في البيروقراطية، وفشل الحكومة في توفير الخدمات العامة الأساسية مثل المياه والكهرباء والتحدي المتمثل في منع إحياء داعش على نطاق واسع .

ومع الأخذ في عين الاعتبار جميع مشاكل العراق، فإن أحد العوامل الحيوية التي تؤثر على المشهد العراقي الحالي والمستقبلي هو أنه ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بعد المملكة العربية السعودية.

بلغ إنتاج النفط الخام العراقي حوالي 4.5 مليون برميل يوميًا خلال النصف الأول من عام 2018، بما في ذلك النفط المنتج في إقليم كردستان العراق. هذا وتتصاعد الخلافات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان من وقت لآخر ولكن يبدو أن “صفقة المبادلة” المبتكرة مع إيران والتي تشمل إنتاج النفط الخام الشمالي تعمل بفعالية كبيرة.

يتاخم العراق إيران على طول الحدود الشرقية التي يبلغ طولها 900 ميل (1450 كيلومتر). وفقًا لذلك، يتم نقل النفط الخام الكردي العراقي في أقصى الشمال إلى إيران، بينما في أقصى الجنوب تشحن إيران الكمية المكافئة من النفط الخام من محطة الخرج إلى البصرة. يخطط العراق لمضاعفة الكمية المتبادلة مع إيران بهذه الطريقة إلى 60 ألف برميل من النفط الخام يوميا.

في هذه الطريق، وفي نواح كثيرة أخرى، تنوي إيران الإبقاء على العراق في دائرة نفوذها. إلا أن واشنطن تعتقد بأن هدف إيران هو زعزعة استقرار البلاد حيث اتهم السفير الأمريكي زلماي خليل زاد إيران مؤخراً بتمويل وتدريب مجموعات الميليشيات والترويج للسياسيين الإسلاميين بمن فيهم أتباع مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي البارز الذي يسيطر على ميليشيا تعرف باسم جيش المهدي.

تشير التحليلات إلى أن الدوافع الرئيسية للتدخل الإيراني في العراق هي مواجهة قوات التحالف والهيمنة الغربية، إبقاء الشيعة في السلطة لدورهم الفعال في مايسمى ب”الهلال الشيعي”؛ والحفاظ على العراق كدولة فيدرالية تحت هيمنة شيعية للحد من التأثير السني فيها.

لازال العراق يخرج ببطء من الصدمة التي عاشها تحت دكتاتورية صدام حسين والاضطرابات التي أعقبت الإطاحة به. لا يزال الطريق طويلاً، لكن هناك سبب للأمل. قد يتطور العراق في المستقبل إلى دولة ديمقراطية تنعم بالاستقرار في شرق أوسطي مضطرب.

ترجمة وتحرير خكيم خطيب

الكاتب: نفي تيلر