في 11 كانون الثاني 2016 يمكنك أن تطوف في الانترنت حتى أعماق قلبك، ولكن لن تجد في أي مكان إشارة واحدة لبدء محادثات وقف إطلاق النار بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقوات المتمردين ضده.
بعد يوم 11 كانون الأول 2015، بعد نحو خمس سنوات من الحرب التي قُتل فيها أكثر من 250000 شخص وشردت الملايين، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 2254، الذي طلب من الأمين العام أن يعقد مفاوضات رسمية “بشكل عاجل” بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة حول عملية الانتقال السياسي. وقد حدد أوائل كانون الثاني – ما فسرته معظم وسائل الإعلام بمدة شهر واحد – موعد لانطلاق المحادثات.
تعثر الجدول الزمني لهذه الهدف الأولي من الاتفاق الدولي لا يبشر بالخير بالنسبة للهدفين الآخرين، وهما أولاً تشكيل حكومة “ذات مصداقية شاملة وغير طائفية” خلال ستة أشهر في دمشق، وثانياً إجراء انتخابات حرة ونزيهة و وضع دستور جديد خلال ثمانية عشر.

نيفي تيلارأحدث كتبه: البحث عن الإنفراج، إسرائيل وفلسطين 2012-2014، يكتب لمجلة الشرق الأوسط.

[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last] بعد أن وافق مجلس الأمن على خارطة طريق دولية بشأن عملية السلام في سوريا، وهو بأي حال من الأحوال أمر لا يستهان به، فقد الأمر الذي عن إجماع نادرومرحب به بين أعضاء المجلس حول استراتيجية سياسية لانهاء الصراع السوري، كما يُظهر كلاً من الولايات المتحدة وروسيا كداعمين للقرار.
“هذا المجلس”، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري “، يرسل رسالة واضحة إلى جميع المعنيين بأن الوقت الآن لوقف القتل في سوريا وتمهيد الطريق لتشكيل حكومة وبأن الشعب الذي عانى طويلاً من القصف في تلك البلاد يمكن أن يُدعم “.
وأضاف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “هذا رد واضح لمحاولات فرض حل من الخارج على السوريين بشأن أي مسألة، بما في ذلك تلك المتعلقة برئيسها”. إشارته إلى الرئيس أمر مهم. حيث أن مستقبل الرئيس الأسد، كان ولا يزال، محل خلاف. وهذه واحدة من القضايا الرئيسية الواضح غيابها عن القرار 2254. باختصار فإن النتيجة تبدو كإعادة إنتاج لرواية هاملت بدون أمير.
بالعودة إلأى أيلول 2015، مارك غاليوتي وهو أستاذ في مركز الشؤون العالمية في جامعة نيويورك، توقع أنه على الرغم من علاقة التحالف الطويلة الأمد بين النظام السوري وروسيا، فإن موسكو تتصور مستقبلاً لا يكون فيه نظام الأسد في السلطة.
قال غاليوتي: “الروس يفكرون بالفعل في مرحلة ما بعد أسد دمشق، الروس لديهم تقليد بتقديم الملاذ للطغاة الذين يفرون من بلادهم. لذلك، أنا متأكد أن هناك بعض الأماكن الريفية المريحة خارج موسكو، إن كان الأسد لا يحتاج إلى الفرار”.
وقال قد يكون صحيحاً أنه على الرغم من أن الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين يحتفظ بأوراقه قريبة من صدره حول هذه المسألة، بأن لا يقرر شيء وأن لا يظهر شيء. إلا أنه رداً على سؤال صريح خلال مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية، نشرت يوم 12 كانون الثاني، إن كان من شأنه إيواء الأسد، قال بوتين أنه من السابق لأوانه مناقشة هذه المسألة ولكنه ألمح إلى ذلك، بوصفه أمراً جانباً، عندما أشار أن روسيا قد منحت حق اللجوء إلى المخبر الأمريكي إدوارد سنودن، “الأمر الذي هو أكثر صعوبة بكثير من أن تفعل الشيء ذاته بالنسبة للسيد الأسد”.
وقد قيل، أن بوتين تراجع إلى حد ما. موسكو، كما قال، دعت إلى إصلاح دستوري في سوريا، على أن يلي ذلك انتخابات رئاسية وبرلمانية. وإذا كانت تلك الانتخابات ديمقراطية ” لن يكون على الأسد الذهاب إلى أي مكان، لا يهم إن اُنتخبَ رئيساً أم لا “.
روسيا، وربما الولايات المتحدة، يظهر أنهما تتصوران انتخابات رئاسية في سوريا يمكن للأسد أن يكون مرشحاً فيها. مثل هذا السيناريو يتعارض بشكل قاطع مع مواقف كلاً من فرنسا والمملكة المتحدة. يتحفظ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على أن المفاوضات لن تنجح إلا مع ضمانات ذات مصداقية حول رحيل الأسد. وقال فابيوس ” كيف يمكن لهذا الرجل أن يوحد الشعب الذي ذبح جزء منه؟ “. ” إن فكرة مشاركته مرة أخرى في الانتخابات أمر غير مقبول بالنسبة لنا “.
رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بشكل لا لبس فيه وموازي قال ” لا يمكن أن يكون له أي دور في مستقبل سوريا، أنا واضح جداً حول ذلك، هذه ليست رؤيتي فقط فالشعب السوري لا يقبل ذلك ” مضيفاً ” كل ما علينا القيام به هو إيجاد حكومة يمكن أن تستوعب العلويين والأكراد والسنة و المسيحيين وإذا لم يكن لديك شخص يمكنه فعل ذلك فلن يكون هناك سوريا “.
موقف روسيا مبهم تجاه هذه القضية، خاصة وأنه يبدو أن لديها دعم من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ما آثار غضب رياض حجاب. حجاب، هو رئيس الوزراء السوري السابق، والذي اختير في كانون الأول كمنسق لهيئة التفاوض العليا في المعارضة السورية لقيادة المحادثات السورية في المستقبل. وقال إنه يعتقد أن الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها المناهض للأسد، وتليين موقفها لاستيعاب روسيا. وقال إنه بتحفظ، أن هذا من شأنه أن يجعل من الصعب على المعارضة الحضور في محادثات السلام المزمع عقدها، والتي تمت إعادة جدولتها إلى 25 كانون الثاني في جنيف.
الطريق الواصل بينهم وعر جداً. كانت جماعات المعارضة السورية أعلنت أنها لن تشارك إلا إذا تم تنفيذ البنود المتعلقة بالجانب الإنساني في قرار الأمم المتحدة الأخير حول سوريا. هذا النداء من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين ووقف الهجمات ضد المدنيين. ومن أجل تسهيل محادثات جنيف، التقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، مع ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا وقوى كبرى أخرى، وبتاريخ 11 كانون الثاني، وافق الأسد على وصول المواد الغذائية وتسليم الإسعافات الأولية للمدنيين في بلدة مضايا، الذين تحاصرهم القوات الحكومية في إطار سياسة عقاب جماعي تقوم على التجويع.
هذه ليست العقبة الوحيدة التي وضعت في طريق المحادثات من قبل الهيئة العليا المعارضة. فقد قالوا للسيد دي ميستورا أن على نظام الأسد أن يتخذ خطوات حسن نية، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين، قبل الذهاب إلى المفاوضات. وليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه الشروط المسبقة قضية حاسمة بالنسبة لهم.
ليست المعارضة الطرف الوحيد من لديه اعتراضات تعبر عنها. الأسد طالما وصف كل المجموعات المختلفة المعارضة له بـ “الإرهابيين” . روسيا لا تذهب بعيداً في هذا الموضوع، ولكنها تستمر بالإصرار على أن تضع القوى الدولية قائمة متفق عليها تتضمن الجماعات الإرهابية، والتي يفترض استبعادها من مجلس المعارضة المعتمد. وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكية آن باترسون أن على الولايات المتحدة وروسيا العمل “بجدية كبيرة” بشأن مسألة تحديد الجماعات الإرهابية.
مع كل هذه العقبات التي يقتضي مواجهتها، يمكن أن يكون ذلك نصراً صغيراً بحد ذاته فيما لو أن محادثات السلام المقرر إجراؤها في 25 كانون الثاني قد انطلقت في الوقت المحدد. ولكن تاريخ البداية المقرر لا يمكن الاستجابة له بسبب الخلاف الدولي حول من ينبغي دعوته من المعارضة، في حين تتمسك المعارضة بمطالبها بوضع حد للغارات الجوية والحصار الذي تفرضه الحكومة على عدد من المناطق المعارضة، والإفراج عن المعتقلين.
ومع ذلك، يمكن القول بإن الرغبة الدولية لإنهاء الرعب في سوريا هي رغبة حقيقية بما فيه الكفاية، وكما يقول المثل القديم، حيث تتوفر الإرادة، تتوفر الوسائل.

مع كل هذه العقبات التي يقتضي مواجهتها، يمكن أن يكون ذلك نصراً صغيراً بحد ذاته فيما لو أن محادثات السلام المقرر إجراؤها في 25 كانون الثاني قد انطلقت في الوقت المحدد لها.

[starbox id=”none”]