ليبيا اليوم ليست فقط بلداً ممزقاً سياسياً، إنما هي ساحة حرب حيث الكتائب المسلحة تتصارع مع بعضها بعضاً دون الاكتراث لحياة أياً من المدنيين الذين قد يتصادف وجودهم في طريق هذه الحرب، وهي بالنسبة للعصابات الإجرامية وتجار ومهربي البشر أرض الصيد الثمين. الغرب عموماً، وربما بريطانيا على وجه التحديد، تتحمل المسؤولية عن الفوضى التي تهوي بليبيا إلى القاع.
أصبحت المملكة المتحدة منخرطة بالشأن الليبي بشكل وثيق، تقريباً منذ منتصف حكم العقيد معمر القذافي الذي استمر لإثنين وأربعين عاماً. تفجير طائرة بان أميركان فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية عام 1988، والذي نسبته الولايات المتحدة فوراً إلى ليبيا، أدى إلى تجميد العلاقات الليبية – البريطانية الباردة أصلاً على خلفية جريمة قتل شرطية بريطانية خارج مبنى السفارة الليبية في لندن عام 1984.

[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”]نيفي تيلار أحدث كتبه: البحث عن الإنفراج، إسرائيل وفلسطين 2012-2014، يكتب لمجلة الشرق الأوسط.[/one_fourth_last] لأسباب مجهولة كان ذوبان الجليد سريعاً ودراماتكياً، في العام 2003 نظام القذافي الذي عرقل التحقيقات في قضية لوكربي لخمسة عشر عاماً، بشكل مفاجئ اعترف بالمسؤولية عن الكارثة، ودفع تعويضات سخية لعائلات الضحايا، وسلم إثنين من المشتبه بهم من الليبيين، أحدهم كان عبد الباسط علي المقراحي، الذي وجهت له التهمة بالهجوم. لتحسين العلاقات أعلن القذافي أن ليبيا تعتزم التخلي عن مشروعها في تصنيع أسلحة الدمار الشامل، ودعى المفتشين الدوليين لزيارة ليبيا للتحقق من إزالة كل مخزونها من هذه الإسلحة.
الأن يبدو أكثر وضوحاً أن العلاقة المستترة بين القذافي وتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، كانت وراء هذا التحول الملحوظ في السياسة، هذه العلاقة التي طالما كانت متوترة وغالباً عدائية، أصبحت ضمن ما تحرص عليه دوائر الحكومة ووسائل الإعلام البريطانية. كجزء من الاتفاق السري، وهذا ما تم الكشف عنه بعد سنوات من تاريخ الحادثة، فعلى ما يبدو أن بلير سافر إلى طرابلس واجتمع بالقذافي ورتب وأنهى ما عرف بـ “اتفاق في الصحراء”، الذي وافق فيه القذافي على التخلي عن الإرهاب العالمي مقابل عودة الشركات العالمية لمساعدته في استخراج احتياطات الضخمة من النفط الليبي. والأن فإن المذكرات المرتقبة لرئيس الوزراء البريطاني دايفد كاميرون تذهب أبعد من ذلك، حيث تدعي أن بلير حاول إنقاذ رقبة القذافي خلال الحملة الدولية في العام 2011 والتي انتهت بإسقاط الديكتاتور الليبي. المذكرات تدعي أن بلير أتصل هاتفياً مع داونينغ ستريت قائلاً “أنه قد تواصل مع شخصية مقربة من القذافي، الذي أراد عقد صفقة”.
على كل حال لم يحصل كاميرون على أي شيء من هذا، ومباشرة بعد سقوط القذافي بدأ يتفاخر بأنه حقق تغيير النظام الليبي دون إنزال أي جندي بريطاني على الأرض، أو دون تكبد أي خسارة. من الواضح الأن، للأسف، أن عدم التدخل سياسياً أدى إلى نتائج عكسية سيئة، ليبيا اليوم مسرحاً للحرب والانتقام وذلك نتيجة لتركها وحيدة تواجه مشاكلها، حيث المجرمون والإسلاميون المدججون بالسلاح يديرون أعمال العنف. اعترف كميرون بشكل متأخر أن بريطانيا تتحمل التزاماً أخلاقياً تجاه ليبيا، ويجب محاولة استعادة بعض مظاهر القانون فيها. الأمر الذي يفسر التقارير الصحفية الأخيرة عن أن قوات بريطانية قد يتم إرسالها إلى ليبيا كجزء من قوة حفظ الاستقرار الأوربية، الأمر الذي يتعارض مع سياسة بريطانيا بعدم إرسال جنود على الأرض.
لا يمكن إنكار أن ليبيا تحولت إلى طريق رئيسي لعبور المهاجرين الفارين من النزاعات والمجاعات نحو أوربا. عدد المهاجرون الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط قد تجاوز 300,000 هذا العام، وهذا أكثر من 219,000 عدد كل المهاجرين في العام 2014. كما بات واضحاً وبشكل متكرر، فإن زعماء عصابات التهريب لا يهتمون بسلامة المهاجرين. منذ مطلع العام 2300 إنسان لاقوا حتفهم وهم يحاولون الوصول إلى عدة شواطئ أوربية، ربما معظم هؤلاء عبروا من ليبيا. واحدة من المأسي الحالية تظهر مركباً وعليه 400 شخص ينقلب قبالة السواحل الليبية، حيث مات 200 شخص. في ذات اليوم أنقذ خفر السواحل الإيطالي حوالي 1400 شخص قادمون من الشواطئ الليبية، بينما في اليوم السابق سحب 3000 شخص إلى بر الأمان.
بكل تأكيد ليبيا بحاجة لمساعدة خارجية، سياسياً إنقسمت البلد إلى محورين رئيسيين متحاربين، فعقب أول انتخابات وطنية حرة، فشلت الحكومة المؤقتة التي أسسها المجلس الوطني العام فشلاً ذريعاً. رفضت المجموعات الإسلامية المسلحة قبول سلطة هذه الحكومة، وفي أيلول من العام 2014، خليفة حفتر الضابط السابق في جيش القذافي، أعلن ما عرف بعملية “الكرامة”، والتي تهدف تحديداً لقتال المجموعات الإسلامية المسلحة.
بمواجهة عملية الكرامة، شكل تحالف من الإسلاميين ما عرف بعملية “فجر ليبيا”. في الوقت الراهن تحالف فجر ليبيا يسيطر على معظم غرب ليبيا، بينما يسيطر تحالف الكرامة على مناطق برقة في الشرق. لكل من التحالفين برلمانه المعلن وحكومته، تحالف الفجر في طرابلس وتحالف الكرامة في طبرق.
فيما لو أسفرت جهود مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، برناردو ليون، عن التوصل إلى تهدئة سياسية! فالأمل في أن تتفق الفصائل الرئيسية المتحاربة على تشكيل حكومة وحدة وطنية بحلول شهر أيلول، السيد ليون أجر مشاورات مع ممثلين عن المجلس الوطني الليبي العام في تركيا في الأول من ايلول، وذلك قبل محادثات السلام الرئيسية التي تنطلق في الثالث من أيلول. في جميع الأحوال التوقعات ليست مشرقة بالنسبة للمحادثات التي تستبعد الجهاديين المنتمين للدولة الإسلامية “داعش” أو إلى أنصار الشريعة – على نطاق واسع تجمع الإسلام السلفي – الذين ينظرون إلى كلاً من تحالف الكرامة والفجر كأعداء.
بالاستفادة من عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، فإن هذه الجماعات الإسلامية تستخدم البلاد كقاعدة يمكن من خلالها توسيع نطاق سيطرتها في جميع أنحاء المنطقة. أبو بكر البغدادي زعيم داعش، والذي نصب من نفسه خليفةً لجميع المسلمين، قد أعلن بالفعل أن ليبيا جزءاً من دولة الخلافة. تنامي وجود الجماعات الاسلامية المتشددة يزيد من العنف ويقلل من فرص استعادة الاستقرار.
في الواقع، أن تقارير صحفية موثقة تعود إلى شباط 2015 تؤكد على وجود أدلة عن خطط لتنظيم داعش تهدف للسيطرة على ليبيا، واستخدام ذلك البلد الغارق في المجهول كـ “بوابة” لشن حرب عبر جنوب أوروبا. وقيل أيضاً أن الوثائق تكشف عن أن الجهاديين يهدفون إلى إغراق ليبيا بمقاتلين من سوريا والعراق، والذين سيبحرون فيما بعد عبر البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب تهريب البشر، متنكرين في زي مهاجرين. وفقاً للخطط التي أطلعت عليها كويليام وهي مجموعة بريطانية مناهضة للتطرف، فأن المقاتلين سينفذون أعمال تخريب في مدن جنوب أوروبا، وسيحاولون أيضا الهجوم على سفن الشحن.
وعلى فرض وضع هذه الخطط موضع التنفيذ فعلاً، أو على فرض أن سيل المهاجرين المتدفق من ليبيا تسلل منه الجهاديون فعلاً، تظل هذه الأسئلة دون إجابات حتى الآن. مجرد احتمالية الإجابة عن هذه الأسئلة يجب ان يساعد بتعجيل خطط الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوربية أخرى لتقديم دعم حقيقي لمساعدة ماتبقى من حكومة ليبيا الديمقراطية في طبرق.
استعادة القانون والنظام، وإعادة تشكيل حكومة فاعلة. اتخاذ إجراءات صارمة ضد مهربي البشر والعصابات الأخرى التي تعيث بالبلاد فساداً، وقبل كل شيء جهود حثيثة لمواجهة والقضاء على أنشطة الشائنة والتخريبية التي ينفذها الجهاديون، وخصوصاً داعش، ذلك لا يجب أن يكون فقط في ليبيا، ولكن في كل معاقلها في سوريا والعراق – هذه الواجبات يقتضي أن تكون هي الأهداف بالنسبة للدول التي تعهدت بمساعدة ليبيا الأن.

 

[starbox id=”none”]

By Mohanad Albaaly

A trained lawyer since 1997 and licensed by Damascus University Council. Mohanad is a human rights activits and he's also an editor at the MPC Journal in Arabic.