الإرهاب والهجمات الأخرى التي ينفذها يافعون مغرر بهم، أمر يعزز الحاجة لإعادة اكتشاف المساواة كحق من حقوق الإنسان.

أشكال من العنف الغير المبرر في المجتمعات إضافة لجرائم جنسية وعنصرية تتصاعد بشكل غير مسبوق في جميع أصقاع الأرض، نحن نرى التطرف في المجتمعات والأقاليم لاسيما بدوره كإيديولوجية مرتكزة إلى منهجية تفكير واحدة قائمة على الشعور “نحن ضد الآخرين”.

في الوقت ذاته، يناضل الناس في كل مكان ضد فقدان هويتهم في عصر “الحداثة السائلة” تلك الظاهرة التي ألقى عليها الضوء الباحث الإجتماعي”زيغمونت باومان”.

هناك تطوران مختلفان في المرحلة الراهنة من العولمة، أولهما أن العولمة تتيح للحضارات والإمبراطوريات السابقة (الصين، روسيا، الهند) بأن تعيد أمجادها كقوى عظمى، وهي تسرع عملية بروز أمم أخرى (البرازيل، مع احتمال تركيا وإيران)، ولكن ما يسبب القلق في الحاضر يبدو أنه عدم الاندماج بين الهويات التقليدية وأشكال الحكم، المترافقة بكم هائل من عدم المساواة الاجتماعية. هذا يقود إلى هويات مجزئة، كما هو الحال مرتكبي الجرائم في موجة الهجمات الانتحارية في ألمانيا مؤخراً، والوصول إلى نزاعات عقائدية انقسامية ضمن المجتمع، هذا ما يفسر شعبية دونالد ترامب وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.

كمنظمة، يتألف تنظيم الدولة الإسلامية من مجموعات من الشباب الذين تخلصوا من قيود مجتمعاتهم المدنية ليرتكبوا أعمال عنيفة، وبالتعميم يمكن لأي أحد أن يجادل حول كيف أن هؤلاء الشباب نفسهم وبالاعتماد على الظروف البيئية والحضارية المحيطة بهم من الممكن أن يكونوا أطفالا مجندين في الصحارى الإفريقية، مؤيدوا أو مقاتلوا داعش، أو إرهابيون منفردون أو أعضاء في عصابات الفتية التي تسيطر على شوارع المخدرات من باريس وصولاً إلى ريو أو حتى مثيرو الشغب وأعضاء المافيات وعصابات المخدرات ( Railway- station kids)، أو شبكات المجرمون القصر. المشكلة الجوهرية هي أننا افترضنا، أن الأفراد المقتلعين أو المنبوذين أو المبعدين عن المجتمع، سيجدون في نهاية المطاف توافقاً مع قدرهم وهذا ما يبدو أن الأحداث الأخيرة تشير إلى عدم إمكانية حصوله.

تم إطلاق العديد من المحاولات لتفسير الانتشار الكثيف للعنف في الآونة الأخيرة في غالبية الدول العربية أو للأفعال المرتكبة من قبل متطرفين بسبب اختلافات الثقافات والأديان وجزئياً أيضاً بسبب المؤسسة الدينية التي لا يجوز استثناءها، ولكن الأكثر خطورة هو أن المؤسسة الدينية إضافة إلى الإسلام السياسي فشلوا فشلاً ذريعاً في أجزاء عديدة من العالم في مواجهة الضغط الاجتماعي الذي يدفع إلى التغيير لمواكبة العولمة، تتفتت غالبية المجتمعات القديمة في العالم العربي والإسلامي مع التغيير الاجتماعي المحاكي للحداثة.

كانت الهوية الاجتماعية تحدد سابقا بمعايير اجتماعية وجغرافية ثابتة، الذي تمكن من تقديم مجال منفصل وآمن في حالات الفردية، هذا المجال الآمن لم يعد موجوداً. نحن جميعاً نعيش في مجالات وسياقات مختلفة. الأمر الذي يوجب علينا التعامل مع مهام الموازنة المستمرة لهذه الجوانب المختلفة. فإن فشلت هذه الموازنة، المشكلة الاجتماعية تفتت الهويات. العواقب هي في “بالهوية المشوهة”، الاختلالات الشخصية والشباب المنبوذ الذي ينعتق من السياق المجتمعي.

لم يعد لدى شباب في غالبية العالم الإسلامي العربي مكانا في هذا العالم الجديد، في البيت مقيدون بثقافة جنسية صارمة، في الوقت الذي يختبرون فيه عالماً افتراضياً من جيل الإباحية. في العديد من المجتمعات، تفكك العولمة هوية المجتمع التقليدية وهوية الأفراد أيضاً. ناس أرواحهم مجزئة وهوياتهم مائعة الأمر الذي يقود إلى سلوكيات متناقضة – كراهية الذات – ممارسة العنف ضمن جماعات صغيرة لا يشعر فيها الفرد أنه ضعيف.

ادعى سياسيو وإعلام الغرب مرات عديدة أن الهجمات الإرهابية هي هجمات على حريتنا. ولكن قد تكون المشكلة الحقيقية هي التركيز الزائد على الحريات نفسها، فالهجمات الإرهابية تقيد حرية الاحتشاد في الطرقات أو الذهاب إلى الحفلات أو حتى السفر في أصقاع الأرض ولكنها حقيقة أكبر من ذلك بكثير هي هجوم صريح على المساواة الإنسانية. علينا أن نعيد اكتشاف المساواة والعدالة بين البشر كحق أساسي ونخلق توازنا وتناغماً مع الحريات لنواجه عنف الأفراد والمجموعات الفتية ونبطل أثره.

أندريس هيربرغ روث هو محاضر في كلية العلوم الاجتماعية والثقافية في جامعة فولدا للعلوم التطبيقية، عنوان كتابه الأخير الدروس المستفادة من الحرب العالمية الأولى صعود  آسيا، انتهى لتوه من تأليف كتابه الجديد بين الشرق والغرب حروب النظام في القرن 21والذي سينشر في 2017.

ترجمة: فريق تحرير إم بي سي