لم تقدم الدولة الإسلامية المعروفة سابقا باسم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا “داعش” سوا الدمار والفوضى والطائفية. من خلال استراتيجيات الإرهاب فقد انتشرت بسرعة في أجزاء كبيرة من شرق سوريا وشمال العراق ووسطه، حيث انضم مجندين جدد من جميع أنحاء العالم معظمهم من الدول ذات الأغلابية الإسلامية ونالت الدول العربية النصيب الأكبر من عدد المجندين.

في حين كانت داعش تعمل على تجميع المؤيدين والمتعاطفين، كان رجال الدين السنة يدعون باستمرار لتقديم الدعم “المادي والمعنوي” للمتمردين السوريين. تبعا لذلك فقد تدفق آلاف المقاتلين إلى سوريا من أجل الجهاد. وفقا لبحث مجموعة صوفان في عام 2014 حول عدد المقاتلين الأجانب في سوريا فقد أشارت التقديرات إلى أن العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب جاء من تونس حوالي “300”  والمملكة العربية السعودية حوالي “2500” والمغرب حوالي “1500” وروسيا حوالي “800” وفرنسا حوالي “700” وتركيا والمملكة المتحدة حوالي “400” لكل منهما. هذه الأرقام لا تشمل السوريين والعراقيين الذين يحاربون مع داعش مسبقا.

قادة داعش العرب هم البغدادي ” إشارة إلى بغداد في العراق” والذي أصبح في  وقت لاحق خليفة الدولة الإسلامية، والجولاني “في إشارة إلى منطقة الجولان المحتلة” في سوريا أميرا للدولة الإسلامية في سوريا، وقد أنشق عن داعش لاحقا ليقود فصيل جبهة النصرة في، حين تشير كلمة “خليفة” إلى حاكم المجتمع الإسلامي فإن كلمة “أمير” إلى حاكم عسكري وقائد منطقة. يبدو أن داعش لديها مسار أيديولوجي واستراتيجي واضح. لا ينبغي أن يكون غريبا عن المسلمين وخاصة على النخب السياسية والدينية أن هذه التعاليم لاتزال موجودة في الكتب الإسلامية وخطب صلاة الجمعة وحتى في الكتب المدرسية. إن فكر داعش هي واحدة من التفسيرات المختلفة لكتب الإسلام الأساسية وهي القرآن والأحاديث النبوبية. تمثل داعش ذات النكهة السلفية امتدادا مشروعا لأصولية المجتمعات العربية، حيث أنها مسألة ثقافية وتعليمية أكثر من كونها مسألة دينية. لا يبدو أن هذا التفسير المروع للإسلام محبوبا من قبل الغالبية العظمى من المسلمين.

قال أمام مسجد و جامعة الأزهر أحمد الطيب أن الجماعات المتطرفة التي تقتل وتذبح تحت اسم الدولة الإسلامية لا تمثل المسلمين ولا الأزهر ولا النبي محمد وتعاليمه. الأفعال البشعة التي تقوم بها هذه الجماعات المتطرفة تضر وتشوه الرسالة الحقيقة للإسلام بشكل مستمر. علاوة على ذلك قال مفتي الديار المصرية شوقي علام أن تسمية منظمة إرهابية مثل داعش بالدولة الإسلامية هو خطأ  كبير حيث أن هذه المنظمة تتحدث وتعمل ضد التعاليم الإنسانية والدينية في الشريعة الإسلامية. في الواقع أعلنت الرابطة العالمية لخريجي الأزهر أن داعش منافية للإسلام وأنها جزء من مؤامرة ضد العالم الإسلامي – داعش في منطقة الشرق الأوسط وطالبان في آسيا وبوكو حرام في نيجيريا. طافت وسائل الإعلام في العالم العربي بالأخبار والتفسيرات والتأويلات التي تدين داعش واصفة أياها بغير الإسلامية. أدان علماء مسلمون في مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم تصرفات داعش حيث أكدت أن الرسالة التي تحملها داعش ليس لها علاقة بتعاليم الدين الإسلامي ولكن على العكس هي تقوم بتدميره.

الآن، إذا كانت داعش ليست إسلامية وعناصرها ليسوا مسلميين حقيقيين فما حقيقتهم إذا؟  كل شعاراتهم إسلامية وجميع تفسيراتهم هي إسلامية أيضا ومكتوب على علمهم “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. داعش يمكن أن تكون فرصة لإصلاح إسلامي حقيقي بعيدا عن نظريات المؤامرة أو استبعاد منظمة إرهابية كداعش من حدود الإسلام. معظم المقاتلين المجندين في داعش هم من الدول الإسلامية و إلى حدا أكبر من الدول العربية. فهم خرجوا بشكل رئيسي من المجتمعات الإسلامية وتعلموا من نفس الكتب الدينية في المدارس والجامعات الموجودة في بلادهم وذهبوا إلى نفس المساجد حيث تلقوا نفس الرسائل الدينية مثل بقية أفراد المجتمع. ربما يكونون في الواقع أبناء وأخوات وأباء وأامهات ما يسمى بالمسلمين المعتدلين .

الحقيقة الصادمة جراء التصرفات المروعة والوحشية والقاسية من قبل المنتسبين لداعش يجب أن تجلب الانتباه إلى الحقيقة أن الإسلام يحتاج إلى إصلاح وإعادة إحياء. فالعملية يجب أن لا تكون مسألة دفاع عن الإسلام وأنما انتقاده بشكل جريء. لذلك يمكن للإصلاح أن يبدأ من المدرسة الابتدائية بدءا من الكتب المدرسية للإطفال صعودا إلى جميع أشكال التعليم الديني. كما أن الإصلاح يمكن أن يبدأ من المساجد وفي جلسات الوعظ وفي صلاة الجمعة حيث يتم فرض التسامح وبناء مجتمع مسالم. يمكن للإصلاح أيضا أن يبدأ عندما تتوقف المؤسسات الدينية في العالم العربي والدول ذات الأغلبية المسلمة من التدخل في الحياة السياسية، وعندما تتوقف المؤسسات السياسية عن استخدام الدين واستمالة المؤسسات الدينية لتوطيد سلطتها.

صعود داعش ينبغي أن يكون دعوة لليقظة لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم. أن يصف المسلمون داعش بإنها لا تمثل الإسلام لا يبدو كافيا، إذ أن هذا، على الأقل، لن يوقف الأعداد الجديدة التي تنضم إلى داعش. وعلاوة على ذلك فإن داعش ستظل إسلامية طالما أنها تدعي ذلك. إصلاح الدين ضرورة وإلا فإن العالم يخاطر بظهور منظمات مماثلة لداعش في المستقبل القريب أو البعيد. وصف داعش بإنها غير إسلامية هو موقف إعتذاري ولا يخدم الواقع في أي شئ، إذ لا يمنع ظهور مئات من المنظمات المتطرفة المشابهة لداعش ولا يحسن صورة الإسلام والمسلمين. العمل الإصلاحي الحقيقي للإسلام يجب أن يبدأ من الصفر وكل مصدر ينبغي أن يتم وضعه تحت المجهر للقيام بدراسة وافية حسب مايقرره علماء المسلمين.

الحقيقة المروعة أن داعش قد ولدت من السياق نزاع القوى السياسية العربية والتي استخدمت الإسلام للوصول إلى أغراضها السياسية، يجب أن تكون لحظة يقظة لأولئك الذين يدعون للدمج بين السياسة والدولة. خطط السياسة التي تعتمد على المساومة الدين العقائدي قد تؤدي إلى تدمير واحد من هذين العنصرين، فأما السياسة تهيمن وتدمر الدين أو أن الدين يهيمن ويدمر السياسة. في حالة داعش فإن السياسة هي المهيمنة على الدين ولكن بروز الدين هو الذي يخدم قضية داعش السياسية – السلطة والشرعية والهيمنة. اختيار مثل هذه النسخة من التطرف يخدم داعش حيث إنها لن تكون مترددة في ارتكاب الإبادة الجماعية للقضاء على خصومها.

إنها فرصة للمسلمين للقيام بإصلاح حقيقي، يجب على علماء المسلمين أن يقودوا هذا الإصلاح بعيدا عن السياسة والانقسام حول ما هو الإسلام الصحيح وماهو الإسلام الخطأ. يجب أن يكون هناك إطار واضح لوضع الأسس الأولى لانطلاق عملية طويلة. يجب على القيادة السياسية في المقابل مراقبة عملية الإصلاح عن كثب. لا يبدوا كافيا أن يقوم المسلمين بإدانة عمل إرهابي أو ببساطة تسميته غير إسلامي لذلك يجب أن يكون هناك تغيير حقيقي وينبغي أن يبدأ الآن.

فريق إم بي سي جورنال

ترجمة فريق إم بي سي جورنال

حقوق النشر محفوظة

يمكن الأطلاع على المادة باللغة الانكليزية هنا