في الوقت الذي تتعدد و تتعقد فيه المخاطر, يختلف أعضاء التحالف الدولي ضد داعش حول قضايا جمة. ابتداءً بتعريف الإرهاب ونطاق سريانه, إلى الاختلاف في الأولويات السياسية, ومروراً برغبة الدول المشاركة باستخدام الجهاديين لتحقيق أهداف جيوسياسية. تلك المخاطر تبدو أكثر وضوحاً في اليمن و سوريا, حيث نجد حلفاء للولايات المتحدة – السعودية في اليمن وتركيا في سوريا- وقد تورطوا في النزاع بطريقة ما.

يغادر وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون إلى تركيا هذا الأسبوع,  في وقتٍ تعمل فيه كلٌ من القوات الأمريكية والروسية على إنشاء مناطق عازلة في سوريا بغرض منع أي تحرك عسكري تركي باتجاه مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية, والتي تُعتبر -من وجه النظر أمريكية- القوة الأساسية الفاعلة في الحرب على داعش.

لقد تمركزت جهود تركيا على محاربة الكرد بدلاً من الجهاديين. لكن سلسلة من الهجمات الانتحارية لداعش في  تركيا, دفعت الأخير إلى فتح جبهات جديدة في سوريا. على الرغم من ذلك, تواصل تركيا سعيها لإضعاف الكرد في سوريا, وتحجيم دورهم في الصراع السوري.

هناك مقولة قديمة تشرح  جوهر الخلافات التركية-الأمريكية حول الكرد, “إرهابيٌ لأحدهم, مقاتلُ حريةٍ لآخر.” لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من التعاطف مع القضية الكردية, علاوةً على ذلك, دعمت الولاياتُ المتحدةُ حقوق الكرد الثقافية والسياسية وساعدت في صعود دولتهم المرتقبة في شمال العراق. عموماً, تتجه الخلافات اليوم نحو تساؤلاتٍ حول مستقبل سوريا, اليمن والعراق. هل ستبقى هذه الدولُ “دولاً” في مرحلة مابعد الحرب؟

كثير من الأتراك يرددون شكوكهم حول نوايا الدول الغربية الهادفة لإعادة تركيا إلى مرحلة مابعد الحرب العالمية الأولى, وبشكلٍ أدق إلى اتفاقية سيفر في عام 1920, والتي دعت الى إجراء استفتاء حول مستقبل الكرد في المناطق الكردية. هذه الشكوك ترسم خطاً عريضاً للخلاف التركي-الأمريكي.

نشأت الدولة التركية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. اعتبر وقتها مصطفى كمال أتاتورك, مؤسس الدولة التركية الحديثة, أن على الدولة فرض هوية تركية موحدة تصهر في طياتها جميع الهويات الأخرى للشعوب غير التركية, و الأقليات القومية والدينية المهاجرة من أجزاء الإمبراطورية السابقة.

ترى تركيا المقاتلين الكرد في سوريا في تحالف مع حزب العمال الكرستاني (PKK)، وهو مجموعة كردية تركية تحارب الدولة التركية منذ مايزيد عن ثلاثة عقود من أجل الوصول لحقوق الشعب الكردي و مصنفة كمجموعة إرهابية من قبل تركيا والاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة.

جديرٌ بالذكر بأن كل من رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف دنفورد, ورئيس أركان الجيش الروسي فاليري كرسيموف, ونظيرهما التركي الجنرال خلوصي أبكر, التقوا في مدينة أنطاليا التركية قبل زيارة تيلرسون, لوضع حدٍ للخلافات التي تهدد العملية العسكرية لتحرير الرقة, عاصمة الدوله الاسلامية.

يبدو أن الوضع في اليمن يحمل جوانباً مشابهةً من حيث تدهور الوضع الأمني وتعقيدات الحلول العسكرية, في حين يتقدم الرئيس الامريكي لمساندة التدخل السعودي المدمر في اليمن الذي يدخل عامه الثالث, كما قد ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, والذي يعتبر من أخطر التنظيمات التابعة للقاعدة.

اسغرقت المملكة العربية السعودية عدة عمليات جهادية داخل المملكة حتى أدركت أن الجهاديين يشكلون خطراً محدقاً على أمن المملكة, أسوةً بالخطر الإيراني. جاء ذلك مصاحباً  للقلق الدولي المتزايد إزاء العلاقة الوطيدة بين متشددي السنة في المملكة والجهاديين. على الرغم من ذلك, لازالت السعودية ترى في الجماعات الإسلامية أداةً فعالة تستخدمها -رغم النكران المستمر- في خوض حروبها بالوكالة عنها مع إيران في كل من العراق, سوريا واليمن. يبدو ذلك جلياً في اليمن, حيث تقف الجماعات السنية المتعصبة في واجهة الجهود التي تبذلها السعودية لقلع الحوثيين من مناطقهم.

أدى التدخل السعودي في اليمن إلى إحياء القاعدة في شبه الجزيرة العريية بعد أن كانت على وشك الانتهاء في المنطقة نتيجةً لظهور داعش و الصولات الأمنية ضدها. يأتي تقرير (International Crisis Group) الصادر في شهر شباط من هذا العام, مؤكداً أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية استعادت عافيتها, لا بل إنها “تعيش أقوى أيامها”.

يبدو أن القاعدة, حسب التقرير,”أصبحت جزءاً لا يتجزء من الجماعات التي تقاتل تحالف الحوثي/صالح…الذي يقاتل بدوره حكومة  عبد ربه منصور هادي المؤقتة المدعومة من السعودية والمعترف بها دوليا.” إن تعافي القاعدة يأتي كنتبيجةٍ للعلاقة الغامضة بينها و بين المملكة, التي تتعاطى مع الأحداث بعقلية محدودة التركيز على ردع الخطر الإيراني في المنطقة, متمثلاً بمحاربة الحوثيين التي تربطهم علاقة غامضة بإيران, حسب رؤية السعوديين. “يرى التحالف الذي تقوده السعودية أن محاربة القاعدة و داعش في اليمن تأتي بالمرتبة الثانية في سلم الأولويات , وكل البيانات الصحفية وإعلانات النصر للتحالف السعودي بأن العمليات تعطي الأولوية لمقاتلة القاعدة في الجنوب تخالفها الوقائع والأحداث” بحسب تقرير (ICG)

رغبة السعودية للتعاون مع الإسلاميين, كحزب الإصلاح في اليمن الذي يعتبر فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين, بالإضافة للعلاقة الضبابية بين حزب إصلاح و تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, أدت إلى مفارقات مع بعض أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين, بالأخص مع الإمارات العربية المتحدة التي تحارب الإسلاميين بشدة.

يضيف التقرير, أن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية تمكن من إعادة تسليح مقاتليه عن طريق الدعم الغير المباشر التي حصل عليه من التحالف الذي تقوده السعودية, بالإضافة لاستيلائها على معسكرات للجيش اليمني. ناهيك عن القاعدة بمعلومات استباقية حول انسحاب السعودية من ميناء موكلة الاستراتيجي, قبل مهاجمته من قبل الجيش الإماراتي والقوات اليمنية.

يبدو واضحاً أن السعودية لم تكن على علم بالعملية العسكرية الأمريكية في مطلع هذا العام, عندما قامت القوات الخاصة الأمريكية بالهجوم على تنظيم القاعدة في اليمن, وقُتل على إثرها عنصر من البحرية الأمريكية. حصل الأمريكيون خلال العملية العسكرية على معلومات بالغة الأهمية, والتي ساهمت في قرار الإدارة الامريكية و الحكومة البريطانية بمنع حمل الأجهزة الإكترونية داخل مقصورة الطائرات المتوجهة من عدد من المطارات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة وبريطانيا, بما فيهم مطاران سعوديان.

أشارت صحيفة “Arab News” السعودية, والتي تعتبر الأكثر انتشاراً بين الصحف السعودية التي تصدر باللغة الانكليزية, نقلاً عن مسؤولٍ سعودي, بأنه يُعتقد أن القاعدة في الجزيرة العربية قد توصلت لتقنيات متقدمة فيما يتعلق بإمكانية استهداف الطائرات المدنية عن طريق تسريب المتفجيرات إلى داخل الطائرات, وأن قدرة القاعدة على التحرك في الخارج قد تضاءلت.

أكد المسؤلون السعوديون بأن السعودية, التي ثمنت سياسات ترامب و قراره القاضي بمنع السفر من ستة دول ذات أغلبية مسلمة,  تعتبر الميليشيات الشيعية و داعش أكثر خطورة من القاعدة. نقلت الصحيفة ذاتها عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية السعودية, عبدالله الشهري, أن “القاعدة غير قادرة على تصدير عملياتها.”

كما أشار المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية, منصور التركي, أن القاعدة لم تقم بأي عملية جهادية في المملكة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وحمل التركي داعش والميلشيات الشيعية في المحافظات الشرقية مسؤولية القيام بكافة العمليات خلال تلك الفترة.

قد تتمكن الولايات المتحدة و بعض شركائها الأساسيين, من بينهم السعودية وتركيا, من اجتياز الخلافات القائمة بينهم بطريقة تسمح بالانتصار على داعش على المدى القصير.ولكن على المدى البعيد, قد يكون الفشل في تشخيص الخلافات ومواجهتها سبباً لإنشاء أرضية خصبة للمزيد من التسلح و ظهور جماعات مسلحة جديدة. هذا النوع من المقايضات حول الخلافات هو الذي ولد حلول غير جذرية في الفترة الماضية, حلول قد تكون أدت لنتائج إيجابية على المدى القصير, لكنها كلفت المنطقة معضلات مزمنة ومشاكل أعمق.

جيمس دورسي هو زميل بارز في مدرسة S. راجاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، المدير المشارك لمعهد ثقافة المشاهير من جامعة فورتسبورغ ومؤلف مدونة، العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط، و كتابا مقبلا يحمل نفس العنوان.

ترجمة دارون رحيم

المادة الاصلية باللغة الانكليزية هنا

[starbox id=”none”]

By taher