بالتزامن مع نمو تهديد الدولة الإسلامية ( المعروف بالمصطلح العربي داعش )، كثفت قوات التحالف بقيادة الولايادة المتحدة من هجماتها الجوية ضد مسلحي داعش ومنشأتها الاستراتيجية في العراق وسوريا، ضمن جهد منسق لتدمير واسقاط دولة الخلافة. ومع ذلك، ودون أي رضوخ، وسعت داعش نطاق عملها الإقليمي بالانتقال عبر البحر المتوسط إلى إقليم الساحل الليبي، الساحل ووسط إفريقيا.

يرى بعض الباحثون أن قدرة التنظيم في جذب المقاتلين الأجانب وكذلك المسلمين المثاليين من مختلف أنحاء العالم المستعدون ليكونوا وقوداُ للحرب من خلال عمليات انتحارية في بلادهم، يجعل منه قوة فتاكة وخطيرة جداً ضد أي حكومة لديها نية في مواجهته. يقول هؤلاء المحللون أن عقيدة المقاتلين قد تغذت بالتفسيرات المتشددة والمتزمتة للإسلام من قبل المملكة العربية السعودية، وهي بلد لديها معتقدات سلفية – وهابية متقدمة متميزة، والتي تعود إلى الإسلام الذي أعتنقته الأجيال الثلاثة الأولى من المسلمين والمعروفة باسم السلف.

جيمس إم. دورسيزميل بارز في معهد أس. راجاراتنام للدراسات الدولية – جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، المدير المساعد لمعهد فان الثقافة في جامعة فورتسبورغ، مؤلف مدونة، العالم المضطرب لكرة القدم بالشرق الأوسط وكتاب سيصدر قريباً بذات العنوان
[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last]

تتبع جذور داعش

نائب المستشار الألماني سيغمار غابرييل، في هجوم نادر، اتهم مؤخراً المملكة العربية السعودية بتمويل المساجد والمجتمعات المتشددة التي تشكل مخاطر أمنية في الغرب ومحذراً إلى وجوب توقف هذا التمويل. ” يجب أن نوضح للملكة العربية السعودية أن زمن غض الطرف قد ولى.” هذا ما قاله غابرييل في مقابلة مع الصحافة الألمانية. “المساجد الوهابية في جميع أنحاء العالم ممولة من اللمملكة. الكثير من الإسلاميين الذين يهددون السلامة العامة جاؤوا من هذه المجتمعات في ألمانيا”.

الكاتب والمحرر الجزائري كمال داوود كتب في مؤخراً في النيويورك تايمز أن ولع تنظيم داعش بقطع الرؤوس، القتل، الرجم وتقطيع الضحايا واحتقار المرأة وغير المسلمين، يعكس ممارسة المملكة العربية السعودية. “المملكة تستند إلى تحالف مع رجال الدين، الذي نتج عنه الشرعنة والنشر والتبشير والدفاع عن المذهب الوهابي، الشكل الشديد التزمت للإسلام الذي يغذي داعش،” هذا ما وضحه داوود.

الفارق هو في أن السعودية يحكمها مركب عائلي ديني معقد، حيث أنها قدمت نفسها بطريقة أقل فظاظة من داعش للمجتمع الدولي. وأكد داوود أن حكم داعش سيكون مشابها للمملكة عندما تستقر وتتخلص من جهادييها وميولها التوسعي.
التيار الرئيسي من علماء المسلمين، بما في ذلك علماء شرق جنوب أسيا، قد حذروا لوقت طويل من أن الفكر الوهابي يهدد أشكال أخرى من الإسلام في دول يشكل فيها المسلمون أكثرية أو أقلية.

ألستير كروك وهو كاتب بريطاني وضابط مخابرات سابق، يعتقد أن داعش قوضت شرعية العائلة السعودية الحاكمة من خلال العودة إلى قسوة القرن الثامن عشر زمن التحالف بين مؤسس الدولة المملكة السعودية الحديثة وبين الداعية الأصولي السني الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي رفض كل ما ابتُكر وشُرع بعد عهد السلف.

بالتأكيد إن داعش في شكلها الحالي، لم تُنشئها المملكة العربية السعودية، لقد تكونت في أعقاب إسقاط صدام حسن من قبل الولايات المتحدة في العام 2003 وبأمور أخرى مثل حل جيش صدام حسين، الذي كان معظم قادته من الضباط السنة والذين كان لديهم شبكة علاقات إسلامية مسبقاً، التمرد والحروب الأهلية بين السنة والشيعة في العراق مازال مستمراً حتى هذا اليوم، لتتحول القاعدة في العراق إلى داعش، والأمر الذي صعد بدوره الحرب الأهلية في سوريا بتدخل داعش.

هذه المجموعات المسلحة تمددت وتكتلت تحت مظلة داعش، وبلغت ذروتها بإعلان دولة الخلافة في العراق وبلاد الشام (التي تشمل إسرائيل والأردن ولبنان وفلسطين وسوريا). داعش تتحدى المملكة العربية السعودية للفوز بولاء السنة في الشرق الأوسط. فالهدف الأساسي المعلن لهذه المجموعات هو في إقامة أول خلافة كبرى بعد زوال أخر خلافة بتحطيم الإمبراطورية العثمانية من قبل قوى الإمبريالية الغربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. كما تدعي داعش أنها تجاهد من أجل بسط سيطرة حكم الإسلام السلفي في جميع أنحاء العالم.

الابتعاد عن داعش

وإدراكاً منها للحجم الهائل للتداعيات السياسية والاستراتيجية من التقارب بين داعش والنظام الديني والاجتماعي والأخلاقي السعودي وغيرها من أشكال التشابه والمشاركة (كإستخدام المنهاج السعودي في المدارس الثانوية في الموصل في العراق بعد الإستيلاء عليها من قبل داعش عام 2014)، عملت الحكومة السعودية على إظهار الجهاديين كخطر. فمنذ سنوات والمملكة تدين مجاهدي القاعدة بزعامة أسامة بن لادن ومجاهدي داعش بزعامة أبو بكر البغدادي.

وإستجابةً للغضب العارم على خلفية الأحداث الدموية في تشرين الثاني 2015 في باريس، دعى القادة السعوديون المجتمع الدولي “للقضاء (في إشارة لداعش) على هذا البلاء الخطير المدمر”. يبدو واضحاً أن المملكة لا تريد أن يعتبر العالم تفسيرها المتزمت للإسلام في ذات الخانة مع داعش والفكر الجهادي، ذلك على الرغم من حقيقة أن تفسيراتها كانت بمثابة الأرضية الخصبة دائماً لأكثر النماذج الخبيثة من الإيمان.

وقد قيل، أن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، والذي تنتسب والدته إلى عبد الوهاب، كان يؤيد الحداثة في المملكة المحافظة وفي نفس الوقت أطلاق حملة تبشيرية وهابية عالمية على خلفية العائدات النفطية الهائلة في أعقاب أزمة النفط التي رفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية جداً في العام 1973، البعض علل حملة فيصل بأنها كانت تهدف، بشكل رئيسي، إلى كسب دعم علماء الدين في صراعه على السلطة مع شقيقه سعود والتي آلت له في نهاية المطاف.

الكاتب وعالم الأديان البريطاني كارن أرمسترونغ يقول إن داعش قد وصلت إلى ما هو أكبر منها بالذات من خلال سياساتها غير المستدامة وفلسفتها الجهادية. أغلبية السنة والشيعة يرفضون ما تقدمه داعش. ويلاحظ أرمسترونغ أن السعودية بمواردها في مكافحة الإرهاب، قد أحبطت بالفعل هجمات داعش في المملكة. مع ذلك فإن السعودية والدول الخليجية الأخرى وضحت أن صراعها مع داعش ليس أهم أولوياتها. السعودية وحلفائها الخليجيين غاصوا في حرب مستعصية في اليمن، تراها السعودية حرب بالوكالة ضد إيران، فقد إنسحبت بشكل مؤثر عسكرياً من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش.

المفتاح في التخلص من تحدي داعش يقتضي الإدراك أن جاذبية المجموعات الإرهابية ليس في هدفها المزعوم بالعودة الرجعية إلى مجد الإسلام في الماضي، كما أكد أرمسترونغ. وهو ليس في جوهر صراعات الإسلام المتعددة. جاذبية داعش الآن تكمن في الفرصة التي تقدمها للمحرومين اجتماعياً واقتصادياً وإثنياً ليثوروا، وجاذبية داعش في قدرتها بمساعدة التطور التقني على نقل المعركة إلى مستويات تاريخية جديدة. هزيمة داعش عسكرياً لن تُهدأ من غضب المحرومين. المفتاح هو في معالجة مخاوفهم القلقة.

[starbox id=”none”]