نظام عالمي جديد بقيادة روسيا ودعم صيني يتمركز في أوراسيا قد يكون قيد التأسيس على خلفية مزاعم الحرب الإلكترونية الروسية ضد الولايات المتحدة وأوروبا. يرى محللون أن نمط التحركات الروسية يمكن أن يخدم مصالح الصين، مما يفرض على الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تبني نهج أكثر حدة في مواجهة بكين.

القول أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عازم على خلق نظام عالمي جديد تقوده روسيا وتدعمه الصين يتمركز في أوراسيا من خلال تقويض مؤسسات الديمقراطية الغربية قد يكون نظرية مؤامرة خيالية. وقد لا يكون ذلك بعيد المنال على خلفية مزاعم بشن حرب إلكترونية روسية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، المخابرات الألمانية دقت ناقوس الخطر، قادة أوروبا الشرقية لديهم مخاوفهم المؤكدة بتواصل موسكو وبكين مع داعمين غربيين للفكرة .

سواء كانت نظرية مؤامرة أم لا، فإن وكالات الاستخبارات الغربية والعديد من المحللين يرون أن نمط التحركات الروسية من شأنه أن يخدم المصالح الصينية، لا سيما إذا ما تبنى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نهج مواجهة تصعيدي نحو بكين. يعتقد المحللون أن محصلة مجموع النشاط الروسي يصل إلى محاولة تقويض الثقة في الهياكل الديمقراطية والتلاعب بالانتخابات.

النهج التركي أوراسيا

الزعيم التركي رجب طيب أردوغان تبنى مراراً وتكراراً نظريات المؤامرة التي تدعي الدعم الغربي لمحاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو تموز ضد حكومته والعصابة المالية الدولية الغامضة التي تسعى إلى تقويض الاقتصاد التركي. ورداً على ذلك، تقدم أردوغان بطلب عضوية تركيا في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) التي تضم دول آسيا الوسطى مع الصين وروسيا.

عازماً على تعزيز سلطته الشخصية، فإن أردوغان لا يسعى إلى تمزيق العلاقات مع الغرب تماماً ولكنه سعيد باللعب على كلا النهايتين دون الوقوف في منتصف طريق وذلك بإعلان انحيازه إلى منظري مفهوم أوراسيا الذين يحظون بدعم روسيا.

العلماني اليساري، دوجو بيرينجيك، الذي قضى ست سنوات في السجن بتهمة الانتماء إلى عصابة بقيادات من الجيش للقيام بإنقلاب عسكري، والذي كان لفترة طويلة مهمش الصوت، دعى أردوغان إلى قطع العلاقات مع الغرب وإعلان إنحيازه لروسيا والصين. نظرية بيرينجيك – التي تتصور قيام تحالف بين روسيا والصين وتركيا يحل محل النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة – يصبح تياراً في أنقرة وموسكو وبكين، وفقاً للمفكر التركي البارز مصطفى أكيول وغيره من النقاد المعروفين.

صعود حزب بيرينجيك الوطن، والملقب باللوبي الروسي في مقال أكيول في صحيفة مونيتور، يأتي على خلفية قدراته في القنوات الداعمة للمصالحة مع روسيا بعد قطيعة العلاقات والمقاطعة الاقتصادية الروسية المؤثرة جداً في أعقاب إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في العام 2015.

بيرينجيك، جنباً إلى جنب مع النائب عن حزب الوطن الزعيم إسماعيل حقي بكين، وهو رئيس سابق للمخابرات العسكرية التركية والذي يتمتع بعلاقات كبيرة في موسكو بما في ذلك مع مستشار السياسة الخارجية لبوتين الكسندر دوغين، قد توسطوا في المصالحة بموافقة أردوغان الضمنية. وقد كانوا مدعومين في مسعاهم من قبل رجال الأعمال الأتراك المقربين من الرئيس والذين تضرروا بشدة من المقاطعة، وكذلك من قبل ضباط الجيش القوميين المتطرفين المؤمنين بمفهوم الأوراسيا.

تشق طريقها

لعبت عدة عوامل في صالح فكرة الأوراسيا. أولاً، العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين تركيا والغرب بسبب الغياب الملموس للدعم مؤخراً في أعقاب محاولة الإنقلاب العسكرية الفاشلة هذا الصيف والتي هدفت إلى اسقاط اردوغان. ثانياً، رفض الغرب القضاء على حركة “حزمت” التي يقودها الإمام المنفي فتح الله غولن والذي تحمله تركيا مسؤولية قيادة الانقلاب الفاشل. ثالثاً، الانتقادات الغربية لسياسات أردوغان في قمع منتقديه بالجملة. أخيراً الاختلافات حول سوريا كثفت التفكير بدعم مفهوم الأوراسيا.

إنحياز أردوغان المزعوم مع الأوراسيا يتناسب تماماً مع مسعى روسي أكبر، على ما يبدو، في تأجيج مشاعر الشعبوية ودعم جناح اليمين في الغرب، والتدخل في شؤون الدول السوفيتية السابقة. جنباً إلى جنب مع الصين، في نفس المركب، مبادرة من طريق واحد تسعى لربط أوراسيا مع بعضها البعض من خلال البنى التحتية والتجارة، روسيا تسعى للتواصل مع المثقفين والسياسيين الغربيين الذين يظهرون الصمت تجاه طموح موسكو.

الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما حمل بوتين شخصياً مسؤولية اختراق أجهزة الكمبيوتر في الحزب الديمقراطي بهدف تقويض ترشح هيلاري كلينتون للانتخابات الرئاسية. وخلص تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز أن الحرب الإلكترونية الروسية لعبت دوراً رئيسياً في هزيمة المرشحين الديمقراطيين في المنافسات المحلية على عضوية مجلس النواب.

رئيس المخابرات الخارجية الألمانية برونو كال حذر الشهر الماضي من أن روسيا قد تحاول إضعاف المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في الانتخابات المقبلة. “لدينا أدلة على أن الهجمات الإلكترونية التي تجري ليس لها غرض سوى إثارة حالة من عدم اليقين السياسي. الجناة مهتمون بنزع الشرعية عن العملية الديمقراطية على هذا النحو، بغض النظر عمن المستفيد في النهاية. وقال كال لدينا مؤشرات على أن (الهجمات) تأتي من الأراضي الروسية” صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية.

التمويل الروسي

وذكرت وسائل الاعلام الالمانية في وقت سابق من هذا العام أن السفارة الروسية في برلين قد مولت جزئياً ندوة سياسة أمنية استضافها حزب البديل الألماني الذي يقود موجة شعبوية مع سياساته المعادية للمهاجرين ومواقفه المضادة للاتحاد الأوروبي. في فرنسا، زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان، المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية، متهمة بالتبعية إلى موسكو بسبب قرض روسي بقيمة 10.2 مليون دولار لحزبها.

في حديثه لصحيفة فاينانشال تايمز، حذر وزير الخارجية التشيكي لوبومير زاوراليك أن روسيا تنتهج سياسة “فرق تسد” في أوروبا من خلال محاولة تعزيز الشعبوية المشككة بالاتحاد الأوروبي. ويقول مسؤولون سابقون في دول الاتحاد السوفيتي أن تحذيراتهم من النشاط الروسي التخريبي طالما تم تجاهلها من قبل إدارة أوباما.

من المؤكد أن الولايات المتحدة والغرب أيضا لديهم تاريخ طويل من شن حملات التضليل وزعزعة الاستقرار. كنتيجة قد تكون هذه حالة من عاب غيره بعيب فيه، ولكن الخطأ لا يبرر خطأ آخر.

من جانبهم موسكو وبكين قد توصلوا إلى المثقفين والصحفيين الغربيين الذين ظهروا على خريطة الأوراسيا سلفاً. حذر الصحفي التركي البارز مراد يالكين مؤخراً من أن مجموعة بيرينجيك كانت تستغل وصولها المؤثر إلى أردوغان لتعزيز “خطة مفصلة” من شأنها أن تمزق علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي. سيكون ذلك من خلال إعادة العمل بعقوبة الاعدام، وهو أمر قد دعى إليه الزعيم التركي، ويناقض لوائح الاتحاد الأوروبي التقييدية التي تبنتها تركيا.

لا شيء من كل ما ورد يرقى إلى مستوى الأدلة الدامغة على وجود مؤامرة روسية صينية. الغرب على كل حال يغامر بتجاهل تعرضه للخطر مما قد يكون نمطاً عوضً من أن يكون مجرد سلسلة حوادث غير مترابطة تنذر بنظام عالمي جديد يمتد على جميع أنحاء القارة الضخمة الأوراسية

بيرينجيك، جنباً إلى جنب مع النائب عن حزب الوطن الزعيم إسماعيل حقي بكين، وهو رئيس سابق للمخابرات العسكرية التركية والذي يتمتع بعلاقات كبيرة في موسكو بما في ذلك مع مستشار السياسة الخارجية لبوتين الكسندر دوغين، قد توسطوا في المصالحة بموافقة أردوغان الضمنية. وقد كانوا مدعومين في مسعاهم من قبل رجال الأعمال الأتراك المقربين من الرئيس والذين تضرروا بشدة من المقاطعة، وكذلك من قبل ضباط الجيش القوميين المتطرفين المؤمنين بمفهوم الأوراسيا.

جيمس إم. دورسيزميل في معهد أس. راجاراتنام للدراسات الدولية – جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، المدير المساعد لمعهد فان الثقافة في جامعة فورتسبورغ، مؤلف مدونة، العالم المضطرب لكرة القدم بالشرق الأوسط وكتاب سيصدر قريباً بذات العنوان.

المصدر بالانكليزية MPC Journal

ترجمة فريق إم بي سي جورنال