في 11 ديسمبر، خاطب كل من إرشاد منجي ومحمد الدجاني منتدى سياسي في معهد واشنطن.  وفيما يلي ملخص لملاحظاتهما.

إرشاد منجي

لا يكمن الفرق بين المسلمين “الإصلاحيين” و”المعتدلين” في الدلالة. فهذا المصطلح الأخير مضلل لأن العديد من “المعتدلين” المسلمين يحملون جميع سمات التديّن، بما في ذلك العقيدة والخوف من تحدي التفكير الجماعي لمجتمعاتهم. إن الصفات المرتبطة بالاعتدال الديني إيجابية ومرغوبة كهدف، ولكنها غير كافية كوسيلة لتحقيق تغيير إيجابي في الإسلام. وعلى الرغم من أن الإسلام يتمتع بالقدرة على أن يكون حكيماً ومتسامحاً، إلا أنه تم تشويهه بعمق. ومن أجل القضاء على هذا التشوه لا بد من أمر أكثر قوة، أو حتى أكثر تطرفاً، من الاعتدال. فهو بحاجة إلى الإصلاح. فكما قال مارتن لوثر كينغ الإبن عن أمريكا التي كانت تعاني من الفصل العنصري، الاعتدال في أوقات الأزمات الأخلاقية هو سبيل للتخلص من المسؤولية.

الخبر السار هو أن الجيل الجديد من المسلمين يستخدم كلمة “الإصلاحي” بشكل متزايد لوصف تطلعاته إلى التعددية والإنسانية للإسلام. إن رؤيته لـ “الإسلام الإصلاحي” ليست رؤية تمتنع فقط عن الإرهاب، بل تشمل حفظ كرامة المثليين والمثليات، والمساواة الكاملة للمرأة، واحترام الأقليات الدينية، والتسامح مع وجهات النظر المختلفة. وفي جميع الاحتمالات، ستوفر شريحة كبيرة من مسلمي هذا الجيل دعوات مسموعة وأدلة مرئية لكل من هذه المبادئ.

[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”]

Irshad Manjiإرشاد منجي: هي مؤسسة ومديرة “مشروع الشجاعة الأدبية” في جامعة نيويورك ومؤلفة كتاب “الله والحرية والحب” (2011).
محمد الداجني الدوادي: هو زميل “ويستون” في المعهد، ومؤسس حركة “الوسطية” للإسلام المعتدل، والمدير السابق لـ “برنامج الدراسات الأمريكية” في جامعة القدس في القدس.

[/one_fourth_last]

ينبغي للمجتمع أن يسعى إلى الوصول إلى الإصلاحيين الناشئين وإلى دعمهم، تماماً كما احتشد المسيحيون الإنسانيون والعلمانيون في ألمانيا في القرن الثامن عشر وراء إصلاحيي اليهودية الانعزالية والانفصالية. يجب على المسلمين قيادة حركة الإصلاح الإسلامي والاستعداد لردة فعل لا مفر منها من شيوخ المسلمين وقادة المجتمع الذين نصبوا نفسهم بنفسهم. كما أن نجاحهم سيتطلب دعماً بارزاً من الأغلبية.

هذا ويخشى العديد من المسلمين، الغارقين في الهوية الجمعية، أن يتم نبذهم إذا أجهروا آراءهم في مجتمعاتهم. وتمنعهم هذه الدينامية من تحديد الإمبريالية في الإسلام، على الرغم من أن الإمبرياليين المسلمين يستهدفون إخوانهم المسلمين ويقتلونهم بأعداد أكبر بكثير من تلك التي تستهدفها القوى الأجنبية.

يُشار إلى أن الخوف من وصمة العار هو ثقافي أكثر من كونه دينياً. إذ يحتوي القرآن الكريم على الكثير من الآيات حول الحاجة إلى الشجاعة الأخلاقية من خلال الوقوف في وجه التعسف في استعمال السلطة في العشيرة التي ينتمي إليها الفرد. كما ويدعو القرآن المسلمين إلى التفكير بعقلانية. فترد فيه سور عن الدعوة للتأمل والتحليل أكثر بثلاث مرات من تلك التي تعالج موضوع الخضوع الأعمى. وبالتالي، فإن المسلمين الإصلاحيين هم على الأقل أصيلون مثل المعتدلين، وبصراحة مطلقة، هم أكثر بنّاءة.

يحتاج المزيد من المسلمين إلى قراءة القرآن، وليس مجرد تلاوته. فبدلاً من قراءة القرآن والتمسك به وفهمه، يكتفي العديد من المسلمين المعتدلين بمجرد تكرار الشعارات الثقافية الفارغة من المعاني. من بين هذه العادات الأكثر ضرراً العادة العربية التي تقوم على شرف الجماعة، والتي ترهب المسلمين المعتدلين وتدفع بهم إلى الصمت لئلا يُتهموا بخيانة مجتمعاتهم وإهانة عائلاتهم عن طريق زرع الفوضى الداخلية والانقسام. إن شرف الجماعة يضيق من احتمالات الحرية الفردية وحرية الفكر والمسؤولية الشخصية. وتقع النساء ضحيته لأن تحمُّل العار العائلي يُلقى على عاتقهن. هذا ويواجه الرجال أيضاً الضغوط الثقافية للالتزام بالتوقعات المنخفضة من حيث السلوك، الأمر الذي يدفعهم إلى التصرف كالأطفال. بهذه الطريقة، تكون الخيارات محدودة أمام الرجال كما النساء، بينما يفتقر الطرفان إلى التمكين.

وبمساعدة من عائدات النفط، استعمرت المعايير الثقافية العربية عقيدة الإسلام وحدت حتى من الممارسات التقليدية التي تعزز التعددية والمسامحة مثل تلك الشائعة في إندونيسيا. إن هذا الواقع هو أكثر إثارة للقلق لأن 80 في المائة من المسلمين في جميع أنحاء العالم هم من غير العرب. لكن بدلاً من الكشف عن الإمبريالية الثقافية التي تنبع من المملكة العربية السعودية والدول المجاورة لها الغنية بالنفط، يميل المسلمون “المعتدلون” إلى التوجس بالاستعمار الأمريكي والإسرائيلي والهندي. وعلى سبيل الدفاع، يمارسون شكلاً خطراً من أشكال الإلهاء. ويسلط ذلك الضوء على أوجه القصور في الاعتدال. فنظرياً، هو حالة نهائية مثيرة للإعجاب، ولكن في الممارسة العملية، هو غير قادر على استعادة الأوجه الطيبة للإسلام.

نتيجة لذلك قد يكون الاعتدال، من الناحية العملية، هو الهدف، ولكن الإصلاح هو الوسيلة لتحقيقه. إن الاعتدال، كوجهة، جميل وإسلامي، ولكن الإصلاح فقط هو الذي سيولد التوتر الخلاق اللازم لدفع المسلمين إلى الخروج من مناطق راحتهم والتعامل مع المسائل الحرجة التي تواجه الإسلام.

وفي خلال السعي إلى تحقيق هذا الهدف، يمكن للمسلمين الإصلاحيين أن يتأكدوا من التزامهم الديني. فالمسلمون ملزمون بعبادة إله واحد، وليس سفراء الله الذين ينصبوا أنفسهم. ونظراً إلى أنه لا يمكن لأحد أن يدّعي بشكل شرعي احتكار الحقيقة والمعرفة، فإن الاستنتاج الذي يشكل مفارقة بحد ذاته هو أن المسلمين لديهم واجب روحي يكمن في بناء مجتمعات يمكننا فيها أن نختلف مع بعضنا البعض بسلام ولياقة. وباختصار، إن الالتزام بعبادة إله واحد يجبرنا على الدفاع عن حرية الإنسان.

شاهد الفيديو بالانكليزية هنا:

محمد الدجاني

يحتاج الإسلام إلى الابتعاد عن الماضي. فمفهوم “الإصلاح” يعني العودة إلى الأصل. إن الإسلام والمسيحية واليهودية ديانات اعتدال ومصالحة وسلام. وبما أن هذه الصفات ضرورية لسعي الإنسان إلى السعادة والأمن، فإن هذه الأديان هي جزء من حل الصراع. للأسف، يمكن للمتطرفين تحريف هذه الديانات والإساءة إليها، إذ لا يختارون سوى الآيات التي تدعم أجنداتهم الخاصة. لذا يتوجب على صانعي السلام المستقبليين أن يتذكروا أن دياناتهم تتشارك نفس القيم الأخلاقية، بما في ذلك القاعدة الذهبية، أي مكافحة الشر، والتشجيع على فعل الأعمال الحسنة. إن الاعتدال هو فضيلة إنسانية أساسية يمكنها تعزيز الوئام الاجتماعي والتعايش السلمي.

ومن هذا المنطلق، فإن الاعتدال أمر أساسي للإسلام، وذلك وفق أساس واضح يمكن العثور عليه في العديد من السور والأحاديث النبوية الشريفة. إذ يمكن العثور على مبررات الحرية الدينية والمساواة بين الرجل والمرأة وإلغاء عقوبة الإعدام، في الإسلام. فالتحليل العقلاني للنصوص والمبادئ الدينية هو وحده الذي يسمح بالوصول إلى صيغة معتدلة وصادقة من الإسلام. كما يحتاج المسلمون المعتدلون إلى أن يدركوا أن الجهاد هو الصراع الروحي داخل أنفسهم ضد الشر والخطيئة، وليس النضال ضد غير المؤمنين.

وفي حين يمكن للمتطرفين اختيار السور والأحاديث النبوية لدعم تفسيرهم الضيق للإسلام، تنظر الدراسة الدينية الصحيحة في نية النص والتعاليم. إن التفسيرات الحرفية جداً لا تقدم المعنى الحقيقي، لذا ينبغي على الإسلام النظر في الإصلاح المسيحي، الذي نأى بالدين عن التفسيرات الحرفية للكتاب المقدس. فالهدف النهائي للإسلام هو خير البشرية، لذلك يجب أن يُدرس بقلب إنساني، وليس قلباً من حجر.

كما يجب على المعتدلين للوقوف في وجه التطرف الذي يُرتكب باسم الإسلام. فلن يتم القضاء على التطرف من خلال حرب الكراهية، ولكن سيقضي المعتدلون عليه من خلال قهر الخوف وتعزيز المصالحة. إن معرفة المسلمين والمسيحيين واليهود بدين الآخر محدودة. من هنا، يمكن للحوار المدروس بين الأديان مكافحة الجهل وتسليط الضوء على الخير في كافة الجوانب. كما وتلعب الحكومة والمجتمع المدني ومراكز الأبحاث دوراً في مكافحة التطرف وكراهية الإسلام ومعاداة السامية.

وفي حين احتكر العرب الإسلام وفرضوا مصطلحاتهم وتفسيرهم، فإن التطرف الذي يتم الترويج له من قبل البعض أمثال ابن تيمية وسيد قطب وحركة «حماس» وآخرين ليس ثقافياً. على سبيل المثال، إن الحجاب ليس تقليدياً لا في الثقافة العربية ولا في الإسلام، ولكن «حماس» تقول للطالبات الفقيرات أنهن إن لم يرتدين الحجاب، لن يتلقين المنح الدراسية. وبالمثل، فإن ختان الإناث، والعداء تجاه اليهود والمسيحيين، ورجم الزانية، وقتل المرتدين والمثليين جنسياً ليست ممارسات واردة في القرآن، ولا هي إسلامية تقليدياً، مع ذلك يمارسها المتطرفون في يومنا هذا. ومن جهتهم، إن المسلمين المعتدلين لا يدافعون عن هذه الآراء المتخلفة ولا يمارسونها.

أعد هذا الملخص باتريك شميت لمعهد واشنطن.

[starbox id=”none”]

By Mohanad Albaaly

A trained lawyer since 1997 and licensed by Damascus University Council. Mohanad is a human rights activits and he's also an editor at the MPC Journal in Arabic.