التطرف هو ظاهرة لا تضرب فقط في أجزاء من آسيا وإفريقيا بل في قلب أوربا أيضاً

في حين يقدر عدد المسلمين في ألمانيا بما لايتجاوز 4,7 مليون %5,8 من نسبة السكان، فإن 70% من أصل 900 ألف تقريباً من طالبي اللجوء في السنوات الأخيرة يُعتقد أنهم مسلمين. لايمكن إنكار حقيقة أن هناك تمييز في ألمانيا كما أنه لايمكن إنكار الحقيقة أن الكثير يجب القيام به حول قضايا تتعلق بالاندماج ومنع الصراعات. وهنا يأتي سؤال مهم هل يمكن لعمليات الاندماج الفعالة أن تمنع التطرف بين الشباب المسلم في آوربا؟

في مؤتمر حول الشباب المسلم في ألمانيا بين الاندماج والانعزال وإيجاد طرق جديدة، ناقشت مجموعة من الباحثين والعلماء في العلوم السياسة والاجتماعية قضايا تتعلق بالمشاركة والاغتراب الذاتي بين الشباب المسلم في المجتمع الألماني. بشكل عام فإن محوريين أساسيين لقيا أهتماماً أكثر من المحاور الأخرى: الأول هو جدول تمويل الجمعيات الإسلامية في ألمانيا لمنع التطرف في أوساط الشباب. والثاني هو عمليات التطرف واجتثاث التطرف من الشباب وماإذا كانت هناك أي تدابير وقائية.

تقول نائبة رئيس قسم الاندماج في وزارة الشؤون الاجتماعية في ولاية هَسين في ألمانيا، كلوديا هاك هوزين، إن الاندماج والتنوع في المجتمع أمران مهمان للحكومة في هسين، حيث أن الحكومة تدعم” ثقافة الترحيب” المبنية على الاحترام والتقدير المتبادل والالتزام والشعور بالمسؤولية من أجل المصلحة العامة.

ولذلك تدعم وزارة الشؤن الاجتماعية في هسين مشاريع مبتكرة مثل “مبادرة سوق العمل في هسين” والتي تتبنى مجموعة من التدابير الرامية إلى ادماج اللاجئين في سوق العمل والمجتمع. وكجزء من “ميزانية التدريب والتأهيل”، تم جمع تمويل يصل إلى 10,5 مليون يورو لتغطية دروس اللغة والتأهيل والتدريب للاجئين. واضافة هاك هوزين إن الحكومة تبذل كل الجهود الممكنة لدعم الشباب من جميع الخلفيات بالتساوي.

من الواضح أن دمج الشباب المسلم في ألمانيا مهم جداً لاستقرار المجتمع الألماني. سلطت سوزان شروتر الأستاذة في جامعة فرانك فورت ومديرة مركز فرانك فورت للبحوث حول الإسلام العالمي الضوء على ضرورة التركيز على مفاهيم التعددية والمشاركة عندما نتناول قضية الشباب المسلم.

من جهة يواجه الشباب المسلم العديد من المشاكل مثل التهميش والتمييز حيث يصبح من الصعب على الشباب من خلفية مسلمة، على سبيل المثال، العثور على وظائف أو شقق. هذا على الإرجح يجعل الشباب أكثر حساسية وبالتالي يزيد شعورهم بأنهم محرومين اجتماعياً.

من جهة أخرى يواجه الشباب المسلم مقاومة عندما يحاولون الاندماج الكامل في المجتمع الألماني. حيث أن هذه المقاومة تأتي من الآباء والأقران الذين يحذرون من فقدان الهوية.

لايوجد أسود أو أبيض

العمل مع الشباب يطرح العديد من التحديات والمسؤوليات. استناداً إلى عملها مع الشباب المسلم في المساجد والجمعيات الإسلامية  في ولاية هسين في ألمانيا، تقدم شروتر عدد من الحالات التي يوجد فيها تأثير للفكر السلفي المتشدد على الشباب المسلم. تقول شروتر أنه في كثير من الأحيان يعتبر العمل مع الشباب في المساجد “اشكالية” وخصوصاً عندما تكون هذه المساجد مدعومة من قبل الجمعيات الإسلامية.

في حين أن السلفية المحافظة غالباً ما تتبنى تفسيرات متطرفة للإسلام تحمل ذات النظرة الضيقة للعالم، إلا أنها ليست بالضرورة ميالة إلى العنف.

ومع ذلك فإن هذا التفسير للإسلام، كما تشرح شروتر، يرى العالم وفقا لقالبين: دار السلام ودار الحرب. على سبيل المثال، “فضاءات أكثر أماناً”، هو مشروع من المفترض أن يكون موجهاً للشباب ويتم تمويله من الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة وكبار السن والنساء والشباب، يتبع هذا التفسير حيث يقسم العالم ليس إلى قالبين بل إلى ثلاثة: دار السلام ودار الحرب ودار معاهدة السلام. “بيت معاهدة السلام ” يمثل تطبيق اتفاق تعاقدي بين “دارين”. ألمانيا في هذه الحالة تقع في دار معاهدة السلام. على موقعهم على الانترنت، على سبيل المثال يطلب من المسلمين أن يفهموا أن ” في بلد غير مسلم، التصويت أو عدم التصويت هي خيارات سيئة على حد سواء”.

“يتعين على المسلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم للتوحد ليتمكنوا من تشكيل تكتل سياسي قادر على ممارسة تأثير كبير على المجتمع”، حسب .saferspaces.de

في هسين وحدها هناك 75 الف تلميذ من خلفية إسلامية.

إذا أردنا أخذ تدابير وقائية فإن التغيير، حسب شروتر، يمكن أن يبدأ من المدارس. على سبيل المثال، مواد دراسية وورشات عمل عن التعددية الثقافية تبدو مواضيع ضرورية للتلاميذ من جميع الخلفيات. التلاميذ، شروتر تفسر، يحتاجون إلى معرفة الفروق ليس فقط بين الإسلام والمسيحية ولكن أيضا حول الفروق بين الإلحاد واليهودية والبوذية. وبعبارة آخرى يتعين عل التلاميذ التعلم حول عادات وتقاليد وثقافات ووجهات نظر مختلفة.

وفقاً لشروتر فإن التطرف يزدهر من خلال المساجد وقاعات العبادة ولذلك يجب مراقبتها عن كثب. مع ذلك فمن المهم أن نلاحظ أن ليس كل المساجد تعمل في هذا الاتجاه حيث أن البعض منهم يقدمون مساعدات كبيرة بالنسبة لمواضيع تتعلق بالتسامح والحوار بين الأديان ومكافحة التطرف. ويمكن رؤية أمثلة جيدة لهذه الجهود في اتحاد المراكز الإسلامية في كولونيا (VIKZ)، ومركز الشباب في بيبريش (Biebrich) ومدرسة غيرهارد هاوبتمان في فيسبادن.

خطأ من؟

أكبر منظمة تغطي المساجد في ألمانيا تسمى الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية والمعروفة باسم ديتيب (DITIB). هذه المنظمة كان لها نجاحات واخفاقات منذ تاسيسها عام 1984 في ألمانيا كفرع من مديرية الشؤن الدينية التركية. في حين لايزال الاتحاد الإسلامي التركي مرتبط بشكل وثيق مع السلطة الدينية التركية من حيث التمويل والتنظيم والموظفين، وهي تدعي إنها تدير حوالي 900 مسجد في أنحاء ألمانيا.

المنظمة لا تزال تحت دائرة الضوء بسبب قضايا تتعلق بنشر معادة السامية ونشر الإسلام المتطرف ومقاومة جهود الاندماج والارتباط العضوي بالدولة التركية. وبناء على ذلك فإن الشكوك أصبحت شائعة في ألمانيا تجاه الاتحاد الإسلامي التركي والذي ينعكس بشكل مباشر على حياة الشباب.

استحضرت شروتر إلى الذاكرة “رسم الشهيد” الذي تم نشره من قبل السلطة الدينية التركية باللغة التركية وتم تقديمه من قبل الاتحاد الإسلامي التركي للشباب في ألمانيا. المقصود من رسم الشهيد هو تشجيع الشباب لتمجيد مفهوم الموت في سبيل الله وبعد ذلك وصول الشهداء إلى الجنة.

حسين حمدان، وهو عالم إسلامي في الأكادمية الأبرشية في شدوت غارت، يرى أن الأجيال الشابة تختلف عن القديمة حيث إنهم يطرحون أسئلة تتطلب المزيد من الإجابات. وفي هذا الإطار فإنهم يحاولون الخروج عن سيطرة الأجيال الأكبر سناً من خلال تأسيس جمعيات للشباب والتعليم وملء وقت الفراغ والانشطة الرياضية، كمثال على ذلك الجمعية العلوية للشباب في ألمانيا التي تأسست في عام 1994 ولها فروع في عدة ولايات ألمانية.

الجمعية العلوية للشباب تمثل مصالح أكثر من 33 ألف طفل ومراهق وبالغ حتى عمر 27 وتركز على المذهب العلوي وتتناول مواضيع تتعلق بعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرآة وحرية الاعتقاد وحقوق الأقليات والمشاركة الديموقراطية للشباب وغيرها من القضايا المهمة. كبرامج ملموسة للجمعية فإنها تقدم ندوات ثقافية وجلسات حوار ورحلات ميدانية وتعليمية وعروض مسرحية ومهرجانات.

من الجدير بذكر أن العلويين يرون أنفسهم كعلويين وليسوا كمسلمين.

يضيف حمدان أنه يجب إيلاء الإهتمام للإشارات الإيجابية من الشباب المسلم لكي لا يدفع الجيل الجديد ثمن أخطاء الأجيال الأكبر سناً.

التطرف بين الشباب

من الواضح أن الشباب المسلم ينشغل في الأصولية الدينية ويصبحون على نحو متزايد منغمسين في الأيديولوجيات الجهادية مثل داعش.

أحمد منصور وهو طبيب نفسي ومدير البرامج في المؤسسة الأوربية للديمقراطية، يقول أنه في حين أن التطرف هو موضوع معقد جداً ويتم فهمه بأشكال مختلفة إلا أنه أيضاً عملية لا تحدث بين عشية وضحاها. ولكن لماذا ينزلق الشباب المسلم نحو التطرف؟

يشرح منصور بعض الأسباب التي قد تدفع الشباب المسلم إلى التطرف حيث ربما بعض الشباب لا يشعرون برضى عن حياتهم ودائماً يبحثون عن بدائل. ربما يفتقدون إلى قدوة مثل الأب بغض النظر عم إذا كان الأب قد تخلى عن الأسرة أو وافته المنية أو لم يتمكن من إيجاد نفسه في المجتمع. ربما لديهم خبرات سيئة كالفشل في المدرسة أو الاحباط خلال الفترة الانتقالية بين المدرسة والعمل أو مرض أو موت أحد أفراد الأسرة. هناك حالات يتحول فيها الشباب في سن المراهقة إلى التطرف بسبب حادث مأساوي في الأسرة. هناك أيضاً تجارب التمييز العنصري حيث أن الكثير من الشباب يشعرون أن دينهم أو أصلهم في موقع اتهام.

الذين يشعرون بأنهم منفصلون عن المجتمع تتكون لديهم مشاعر وشخصيات غير مستقرة تجعلهم عرضة للتطرف. الفترة التي يكون فيها الشباب أكثر عرضة للتطرف هي “نافذة زمنية” لا تتعدى السنتين وتبدأ في سن بين  15 و 17 إلا أن هناك حالات تبدأ في سن 13 أو 14.

السلفيون يملؤون هذه الفجوات من خلال إيديولوجياتهم الأبوية ومفاهيمهم الربانية التي تعتمد على العقاب، حيث أن السلفية تلقى إقبال جيد وهذا قد يكون لعدة أسباب: إنهم يقدمون للشباب الهوية والشعور بالانتماء وتفسير بسيط لعالم معقد وصداقات وعلاقات اجتماعية. بعبارة أخرى كما أن السلفية خطرة فهي جذابة لإن لها رؤيا ورسالة وتوجه واضح.

عل سبيل المثال، يوضح منصور، إن شرح الحرب في سوريا قد يحتاج ساعات لفهم تعقيداتها إما بالنسبة للسلفية المتطرفة فإن التفسير بسيط: “إنها حرب ضد الإسلام”.

يدعو منصور إلى عملية إعادة النظر الاجتماعية والسياسية حول ظاهرة التطرف من أجل مكافحة التطرف الإيديولوجي، حيث إنها عملية يجب أن يشارك فيها كل أفراد المجتمع.

شعلة آمل

WhatsApp-Image-2016-10-31-at-00.09.51

ربما يكون صحيحاً أنه بدل من لعب دور الضحية في عالم معقد يتوجب أن نشارك في عملية وقائية شاملة حيث يشارك فيها الجميع من أجل العيش في مجتمع مسالم.

“هذا ممكن عندما يكون لدى الناس الرغبة في القيام بذلك”، قال توفيق حرتيت مدير المشروع الوطني في اتحاد الكشافة المسلمة في ألمانيا (BMPPD).

متفاءل جداً؟

تأسست الكشافة في عام 2010  بهدف تدريب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و 21 في ألمانيا. ووفقاً لمبادئ القرآن كما تصور نفسها، تعترف الكشافة المسلمة أن الحوار مع الناس من ديانات وأعراق ولغات وجنسيات وألوان مختلفة على قدم المساواة هو أمر لا غنى عنه. ولكن هل هناك أي نتائج ملموسة.

نظمت الكشافة الإسلامية مشروع يسمى “شعلة أمل” والذي يهدف إلى مساعدة الشباب المسلم لامتلاك فهم أفضل للتاريخ الألماني والمسؤلية الاجتماعية والتعايش السلمي بعيداً عن التحيز والأطر الإيديولوجية. في هذا المشروع سافر فريق من الكشافة الإسلامية من مختلف المدن إلى جميع أنحاء ألمانيا في الفترة بين سبتمبر 2011 واكتوبر 2013 للقاء مجموعات شبابية أخرى من خلفيات مختلفة. كان الهدف منها دمج الشباب من أصول مهاجرة في المجتمع لتعزيز شعورهم بالمواطنة.

وعند سؤال كل من حرتيت وشروتر وهاكهاوزين وضابط شرطة مدني بأن يصفوا عمليات الاندماج الجارية للشباب المسلم في ألمانيا بكلمة واحدة، أجابوا بالترتيب: “مفعمة بالفضيلة”، “متناقضة”، “مليئة بالأمل”، “تحتاج تحديث”، “تحتاج تحسين”.

للاطلاع على المقال باللغة الانكليزية إضغط هنا

ترجمة فريق إم بي سي جورنال

السلفيون يملؤون هذه الفجوات من خلال إيديولوجياتهم الأبوية ومفاهيمهم الربانية التي تعتمد على العقاب، حيث أن السلفية تلقى إقبال جيد وهذا قد يكون لعدة أسباب: إنهم يقدمون للشباب الهوية والشعور بالانتماء وتفسير بسيط لعالم معقد وصداقات وعلاقات اجتماعية. بعبارة أخرى كما أن السلفية خطرة فهي جذابة لإن لها رؤيا ورسالة وتوجه واضح.

الكاتب حكيم الخطيب