بالنسبة لمعظم البلدان، تُعد اللغة مجرد حروف أبجدية بسيطة، لكنَّ الأمر في الجزائر ليس كذلك، وفق تقرير صحيفة The Economist البريطانية التي قالت إن دُور الحضانة بالجزائر تقع في حيرة لغوية كبيرة تتعلَّق باختيار اللغة الملائمة للتدريس.
تقول الصحيفة إن اللغة الرسمية للجمهورية الجزائرية هي اللغة العربية الفصحى، لكنَّ عدداً قليلاً من الأطفال هم الذين يتحدثون بها، لذا غالباً ما يشعر الطلاب بالضياع في اليوم الأول من المدرسة.
العام الفائت وبعد نضالٍ لأكثر من نصف قرن، أصبحت الأمازيغية التي يستخدمها الأمازيغ لغة رسمية في الجزائر الأحد 7 فبراير/شباط 2016، لكن العربية ما زالت تتقدّم عليها بصفتها لغة الدولة.
وتبنّى البرلمان الجزائري بغالبية ساحقة مراجعة دستورية تنصّ على اعتبار الأمازيغية “لغة وطنية ورسمية” في البلاد، فيما اللغة العربية هي “اللغة الوطنية والرسمية” و”تبقى اللغة الرسمية للدولة”.
ولاحظ النّواب أن الأمازيغية، بفروعها المتنوعة (الشاوية، والقبايلية، والمزابية، والطارقية)، تستعمل من قبل عشرة ملايين شخص، أي ربع سكان دول شمال أفريقيا.
ورغم أن اللغة الفرنسية مستعملةٌ إلى حدٍّ بعيد في البلاد، إلا أنها ليست مصنفة رسمية، ويتم تعليمها في المدارس كلغة أجنبية.
ولاقى إضفاء الطابع الرسمي على اللغة الأمازيغية ترحيباً من المحافظة السامية للأمازيغية، وهي مؤسسة أكاديمية حكومية جزائرية أنشئت في العام 1995 في عهد الرئيس الجزائري الأسبق اليمين زروال، وتعنى بنشر لغة الأمازيغ بعد أحداث “الربيع الأمازيغي” في منطقة القبائل.
ماذا تريد النخبة؟
على الجانب الآخر، تفضِّل النخبة الجزائرية الناطقة بالفرنسية تعلُّم اللغة الفرنسية. وتدعو وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، إلى إدخال لغة رابعة؛ هي اللغة الدارجة، التي تدمج اللغات الثلاث الأخرى، والتي تُعَد اللغة الأم لمعظم الجزائريين. وهناك عددٌ متزايد من “الأنغلوفيلز”، أي المعجبين بإنكلترا، يريدون بدء صفحة بيضاء وتعلُّم اللغة الإنكليزية.
لكنَّ اختيار اللغة يرجع في الأساس إلى قلب قضية الشعور الجزائري بالهُوية. فقد حظر الفرنسيون اللغة العربية في المدرسة الابتدائية عندما كانوا يحتلون البلاد، ورفضوها باعتبارها لغةً متخلفة. وبعد الاستقلال في عام 1962، شجَّع الوطنيون على التعريب من أجل محو 132 سنة من التلقين الفرنسي. وشغل الآلاف من المعلمين والبيروقراطيين من مصر وسوريا الوظائف التي كان يشغلها موظفو الخدمة المدنية الذين فرّوا إلى فرنسا.
الإسلاميون و العربية الفصحى
الإسلاميون وفق The Economist ذهبوا للدفاع عن اللغة العربية الفصحى، واتهم البعض وزيرة الوطنية نورية بن غبريط، على نحوٍ عبثي، بالتآمر على العربية. لكن أحد مستشاريها قال: “كان التعريب خطأً لأنَّه كان مدفوعاً بفكرة الانتقام من الاستعمار الفرنسي. يجب ألّا نخلط بين الاستعمار الوحشي البربري لفرنسا واللغة الفرنسية التي هي وسيلة عالمية للعلم والثقافة”.
واستمر الجدال في الجامعات وخارجها. الجدير بالذكر أنَّ طلاب الجامعة في الجزائر يدرسون القانون والسياسة والدين باللغة العربية، لكن كل شيءٍ آخر يُدرس بالفرنسية. كما أنَّ إجراءات المحكمة ونشرات الأخبار وخطب الجمعة باللغة العربية. وتُصنع عروض كوميديا الموقف “سيتكوم” محلياً على نحوٍ متزايد وباللغة الدارجة. لكنَّ جلسات مجلس الوزراء تكون في معظمها باللغة الفرنسية، وكذلك اجتماعات العمل والصالونات الأدبية. ويبدو أنَّ الوزراء، بمن فيهم نورية بن غبريط، عاجزون عن إكمال جملة واحدة باللغة العربية الصحيحة. ويقول عمارة بن يونس، الذي يرأس حزب الحركة الشعبية الجزائرية، وهو حزبٌ تابع للأمازيغ: “نحن في حاجةٍ ماسّة إلى سلامٍ لغوي”. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإسلاميين والعلمانيين قد تركوا أسلحتهم بعد حربٍ أهلية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 100 ألف شخص. لكن بعد 12 عاماً من المصالحة الوطنية، ما زالوا يتحدثون لغاتٍ مختلفة.
تضيف صحيفة The Economist وهناك قضايا على المحك تتجاوز مسألة ما إذا كانت الجزائر تفضل التوجُّه نحو الشمال، أو الشرق، أو إلى الداخل الجزائري. ويجادل المُعلِّمون بأنَّ الجزائريين أصبحوا يتحدثون جميع اللغات، لكنَّهم لا يجيدون أيَّاً منها، ويعبِّرون عن قلقهم من أنَّ المزيج من اللغات يعني التقزُّم في التنمية. فتقول سلمى هلال، وهي ناشرة أساساً للكتب الفرنسية في الجزائر العاصمة: “الشباب هم ضحايا لسياسات اللغة التي قوَّضت قدرتنا على التعبير عن أنفسنا”. ويتساءل البعض عمَّا إذا كان الإحباط في اللغة هو المسؤول عن العنف المتزايد ضد المحاضرين في الجامعات. ربما!