في الرابع عشر من الشهر الجاري، ووسط استقبال جماهيريّ ضخم غير مسبوق، نزل الرّئيس الإيريتيري، أفورقي، بمطار أديس أبابا بعد 22 سنة من القطيعة بين البلدين. كان في مقدّمة مستقبليه رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد. بعدها بحوالي أسبوع، ينزل رئيس مصر المشير عبد الفتّاح السيسي ضيفا على المشير عمر البشير في السودان وسط تطوّرات إقليميّة مهمّة.
عين على إثيوبيا؟
إثيوبيا ثاني أكبر دولة إفريقية سكّانا بعد نيجيريا ب100 مليون نسمة. إثيوبيا وليبيريا الدولتان الإفريقيتان الوحيدتان اللّتان لم تتعرّضا لاستعمار غربي باستثناء رضوخ إثيوبيّ قصير لإيطاليا بين 1936 – 1941.
تسعى اثيوبيا بأن تكون مركزا إفريقيا، مما يزيد اهتمامها بالموانئ الإيريتيرية، فالأولى ليس لها منفذ بحري. حقّق الاقتصاد الإثيوبي أسرع معدّل نموّ فى إفريقيا، ومن الأسرع فى العالم حسب تقرير لصندوق النّقد الدولي.
مساحة أثيوبيا 1.1 مليون كلم مربّع ويتحدث سكانها 80 لغة مع اعتماد اللغة الأمهريّة لغة رسميّة. العاصمة أديس أبابا، وهي تلقب بعاصمة إفريقيا ،و من إثيوبيا ينبع نهر النيل. يعتمد الاقتصاد الإثيوبى على الزّراعة والصّناعة والخدمات. مع إنتاج كبير للغاز الطبيعى.أهم منتوجات إثيوبيا هي الحبوب والبن والقطن وقصب السّكر والمشروبات والنّسيج ومشتقّات الجلد والمعادن والإسمنت. تصدّر أثيوبيا المنتجات الغذائية والنفط والكيمياويات والآلات والمركبات والنسيج. و للصين استثمارات عملاقة فى إثيوبيا في مجال النفط والغاز.
ماذا عن إريتريا؟
أعلنت إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا عام 1993، بعد استفتاء شعبي توّج سنوات المقاومة المسلحة. شهدت السنوات بين 1998-2000 حرباً بين البلدين بسبب اتهامات متبادلة بدعم حركات انفصالية.
يشهد الاقتصاد الإيريترى نموّا جيداً فى السّنوات الأخيرة، بفضل خطّة حكوميّة. عدد سكان إريتيريا 6 ملايين، ومساحتها 120 ألف كلم مربّع مع شواطئ تمتدّ على مسافة ألف كلم من رأس قصار على حدود السودان إلى باب المندب على الحدود اليمنية مرورا بمواني عصب ومصوع.
بإريتريا 126 جزيرة. أرخبيل دهلك وحده به 25 جزيرة ويضم أهم جزيرتين استراتيجيتين في المنطقة هما جزيرة فاطمة وجزيرة حالب. جغرافيّة إريتريا جعلتها حلقة وصل في المنطقة. فمنها يمرّ أقصر طريق ملاحة بين المحيط الهندى والبحر المتوسّط.
سنة 614 م هاجرت البعثة المسلمة إلى إريتريا وعلى أرض مصوع، كما لقبها العرب قديماً، قامت البعثة ببناء أول مسجد مسلم في إفريقيا، سمّي بمسجد راس مدر. لذلك تعتبر إريتيريا بوابة دخول الإسلام الى إفريقيا.
فى إريتريا صناعات بسيطة أهمّها تعليب اللّحوم والفواكه والأسماك وصناعة الجلود والأسمدة والكبريت والصابون والنسيج والإسمنت والبلاستيك. أما معادن اريتريا فهي النفط والنحاس والبوتاسيوم والذّهب والحديد والألمنيوم والفضّة والنيكل. تقوم شركات هولنديّة بالتّنقيب على النفط وأخرى يابانيّة باستخراج النّحاس وأمريكيّة باستخراج الفوسفات.المجتمع الاريتري مجتمع رعويّ يمارس فيه 90 بالمائة من السّكان الزّراعة والرّعي. تنتج إريتريا البن والتّبغ والقطن والفواكه والذّرة التى تعتبر الغذاء الرّئيسي للسكان. لإريتريا 10 ملايين رأس بقر وغنم وجمال وتوجد اتفاقية عقدتها أثيوبيا مع شركة “إتكودي ألإسرائيلية لتصدير اللّحوم الاريترية والأثيوبيّة الى الكيان. تناهز صادرات اريتريا من الأسماك والأصداف إلى 60 مليون دولار سنويّا.
رئيس وزراء إثيوبيا في شهوره الثلاثة الأولى
تلعب إثيوبيا مؤخراً دوراً سياسياً هاماً في المنطقة. فقد أعلن رئيس وزرائها، أبي أحمد، أنه يمدّ يده للسلام مع إريتريا. كذلك قام بزيارة للصومال و دجيبوتى. بعد زيارته للسودان، أصدر الرئيس البشير عفواً عن جميع السجناء الإثيوبيين في السودان. كذلك قام بخطوة مماثلة في السعوديّة، نتج عنها عفو عن المساجين الإثيوبيين في المملكة. وفيما يبدو أنه نسق واحد، اتجه رئيس الوزراء الجديد إلى دبي وتلت زيارته كذلك عفواً عن عشرات المساجين الإثيوبيين في الإمارات.
زار أبي أحمد مصر وناقش مع السيسي تداعيات سدّ النّهضة، وعاد من القاهرة ومعه 32 سجيناً سابقاً في مصر، بعد مفاوضات مع السيسي صدر عنها عفو رئاسي عن السجناء المذكورين. في التاسع من الشهر الحالي، وصل أبي أحمد إلى إريتريا، وأعلنت الدّولتان “إعلان سلام وصداقه ينهي الحرب بينهما.”
داخلياً، أطلق أبي أحمد سراح 576 معتقلا سياسيّا وأسقط التّهم عن معارضي الخارج. كما بادر برفع حالة الطّوارئ، ورفع أسماء أبرز الحركات المسلّحة من قائمة الجماعات الإرهابيّة. تمت تسمية رئيس جديد لهيئة أركان الجيش، وعين أبي أحمد مديرا جديدا للأمن والاستخبارات، وهذه مناصب لم تشهد تغييرا منذ حوالي 17 سنة. في خطوات داخلية وخارجية متسارعة، تعبر عن ديناميكية وبراغماتية سياسية.
على جبهة مصر والسودان؟
فى زيارة الرئيس السيسي للرئيس البشير، استعملت مصطلحات التّنسيق الكامل والمصالح الاستراتيجيّة المشتركة فى كلمات كلا الرئيسين. ذكرت مصادر مضطلعة، أن أهمّ ملفّات الزيارة كانت: الرّبط الكهربائي بين مصر والسودان مع اتّفاقات تجاريّة وزراعيّة، أزمات ليبيا واليمن وسوريا، المصالحة الفلسطينيّة، أزمة جنوب السّودان، سدّ النهضة الأثيوبى.
خاطب السيسي إثيوبيا وإريتريا قائلاً “نحن سعداء بما تمّ التوصّل إليه” بما تبطنه هذه الكلمات العامّة من حذر. كذلك توجه السيسي لجنوب السودان بقوله “سنعمل مع أشقّائنا فى المنطقة للوصول الى السّلام.”
أما البشير، فقد صرّح بأنّه اتّفق مع نظيره المصري على إزالة كل العوائق بين السودان ومصر وفي مقدّمتها بما يتعلق بتبادل السّلع وسفر الأفراد. “نريد الانطلاق فى كلّ المجالات الاقتصاديّة والتّجاريّة والثّقافيّة” كما عبر البشير، مشيراً إلى وجود دراسات لربط البلدين بسكّة حديدية.
لن تسوّى العلاقة بين مصر والسودان الاّ بعد تسوية وضعيّة مثلّث حلايب بحلّ وسط يرضى الطّرفين ويغلق ملفاّ طالما كان سبباً لتوتير العلاقات بين الدولتين. كذلك تبقى الخلافات الداخلية المصرية مع الإخوان المسلمين عائقاً مع البشير، المحسوب على الإخوان، وهو من غير الواضح بعد، فيما إذا كان الأخير سيلعب دورا مهمّا فى الوساطة بين السيسي وإخوان مصر؟
إن اللقاء المصري-السوداني الأخير، يطرح قراءة جديدة للواقع الإفريقي حول حوض النيل، حيث تحاول مصر والسودان كبح ابتزاز إثيوبيا لهما بمشاريعها الطموحة على منابع النيل. وفي واقع مشابه، تقع ليبيا تحت تهديد زحف إفريقيّ على الصحراء الكبرى بعد تهديد جماعات مسلّحة إفريقيّة بقضم جنوب ليبيا بانقلاب ديموغرافى طالما حذّر منه خبراء زمن حكم القذّافى.
يبقى السؤال، إلى متى تتراجع دول الشمال الإفريقي، بينما دول افريقيّة عديدة تشهد نموّا مضطردا بل يفوق التّوقّعات، كإريتيريا وإثيوبيا و رواندا؟ رئيس وزراء إثيوبيا استطاع بثلاثة أشهر تحريك جنوب وشمال الصحراء، ما لم يستطعه غيره بوقت أكثر من ذلك. فهل يمكن إعتبار التوافق المصري السوداني بداية لهكذا حراك.
الكاتب رضا يوسف احمودي: صحفي وكاتب من تونس