أكرم أبو الفوز
٣٦ عام .. أب لثلاث أطفال
أقيم مع عائلتي في منطقة محاصرة من أكثر من عاميين، إنها مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية.
عملت قبل الثورة السورية في عدة مجالات من بينها بيع الأجهزة الخلوية، وانتقلت بعدها إلى العمل في الديكور وإكساء الشقق السكنية، وهي مهنة قريبة من الهواية التي أحبها: الرسم.
[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last]
انتقلت بعدها الى الرسم الشرقي على الزجاج، وما أن مضى بعض الوقت حتى أزهر الربيع العربي في بلادنا …
حملنا أغصان الزيتون في البداية للدلالة على سلمية الثورة، إلى أن أضطر الثوار إلى حمل السلاح تحت وطأة العنف، وبعد مرور ثلاثة أعوام على بداية الثورة، وعلى ابتعادي عن هوياتي وريشتي وألواني، شعرت أنه آن الأوان للعودة.
الرسم على الموت:
في عام ٢٠١٤ اقتنيت أول قذيفة “هاون” في بيتي، وكنت أنوي وقتها أن أختار زاوية من زوايا البيت، وأضع فيها بعض فوارغ الرصاص، وبعض القذائف والشظايا التي تعتبر شاهداً على زمن الثورة للأجيال القادمة.
كانت الفكرة تقوم على زخرفة القذيفة التي تعبر عن الموت بحيث تصبح معبرة عن الحياة، وبحيث يتم محو آثار الألم عنها، وتحويلها إلى مصدرٍ للأمل.
بدأت بجمع ما أمكن من قذائف نزلت على المدنيين دون أن تنفجر في مدينتي دوما، وأيضاً فوارغ الرصاص والتي تعج بها الشوارع في منطقتنا. وأخذت الفكرة تتبلور وتتطور أكثر فأكثر، وجمع فوارغ الصواريخ التي قصفتها الطائرات على مدينتي، وبعض فوارغ قذائف المدفعية الثقيلة التي تتساقط علينا من جبل الياسمين .. قاسيون، ليعاد تدويرها بعد أن تزهق أرواحاً بريئة من نساء وأطفال وشيوخ مدينتي، ويتم رسم الياسمين عليها.
قبل البدء بالرسم تتم عملية التنظيف بأخد القذائف او الصواريخ إلى أشخاص مختصين في هذا المجال ليصار إلى تنظيفها، أما بعض الفوارغ مثل فوارغ الرصاص فيتم تنظيفها في المنزل لعدم احتوائها على مواد كيميائية أو مواد متفجرة أو سامة.
يتطلب هذا النوع من الرسم نوعاً من أنواع العصارات التي تحتوي على مادة شبيهة بالسيليكون، والتي تجف بتعرضها للهواء وتتحول إلى مادة مطاطية قاسية. ولكن في ظل الحصار المفروض على مدينتي لم تعد تباع هذه المواد، ولم تعد تدخل إلينا من خارج الغوطة، لكنني كنت أدخر بعضها في بيتي الذي تعرض للحرق، لكن آثار الحريق لم تطل هذه المواد بفضل الله.
بدأت الرسم تدريجياً، لكن صعوبات كبيرة واجهتني، أبرزها عدم توفر الألوان والمواد اللازمة للطلاء، وغلاؤها الفاحش في حال توفرها بسبب الحصار والقصف، كذلك عانيت من انقطاع الكهرباء المستمر منذ ثلاثة أعوام في الغوطة الشرقية، إذ كنت أبدأ بالرسم مع شروق الشمس، وانتهي مع غروبها، ولكني استطعت التغلب على كل هذه الأمور.
بعد نهاية الأعمال تم طرح فكرة تصويرها على الأخ المصور بسام الحكيم، وهو من المبدعين في هذا المجال، والحقيقة أنني لم أكن أتوقع نجاح العمل إلى هذه الدرجة، ولكن مع الوقت بدأ هذا العمل يحقق غايته، ووصل إلى أكبر عدد ممكن من الصحف والمحطات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي العربية والأجنبية.
ظلت هذه الأعمال الفنية حبيسة منزلي، إذ أن لا سبيل لإخراجها من الغوطة الشرقية المحاصرة رغم تزايد الطلب عليها لأكثر من جهة، من بينها متاحف ومعارض عالمية، والشيء الوحيد الذي وصل إلى خارج الغوطة، هو صور هذه الأعمال.
شاركت من خلال هذه الصور في أمسية فنية تمت برعاية المجلس السوري – الامريكي ومؤسسة كرم والمجلس الديمقراطي في العاصمة الأميركية واشنطن في الذكرى الرابعة للثورة السورية، وتضمنت هذه الأمسية عدة فقرات من بينها عرض بعض الأعمال واللوحات الفنية ضمن فقرة تدعى ( Art and Revolution Panel) لبعض الفنانين المميزين في الثورة السورية من بينها أعمال (تمام عزام) و (كندة حبراوي) إضافة إلى صور أعمالي، وحضر هذه الأمسية عدة شخصيات رفيعة المستوى أمريكية وسورية.
تمت مشاركة صور أعمالي أيضاً في مهرجان خيري أقيم في العاصمة القطرية تحت عنوان ( قلوبنا خيامهم )، وكان الهدف منه دعم أهلنا اللاجئين في الخيام.
أحاول جاهداً أن تصل أعمالي أو صورها عبر معارض في أغلب الدول الأجنبية والعربية علها تكون رسالة واضحة ومحددة فحواها “نحن لسنا إرهابيين”، ومن ناحية أخرى فإن الرسم على آلات الموت والقتل يساهم في قتل الخوف في عيون أطفالي الذين لا يبتعدون عني في مراحل الرسم من البداية إلى النهاية، ويحاولون تقليدي برسومات ورقية بشكل دائم، حتى أصبحوا يتخيلون أن هذه القذائف خلقت لهذا العمل .. للزخرفة فقط ، دون أن يعلموا أنها تُزخرف بدماء الأبرياء، قبل أن أعيد لها الحياة مرة أخرى برسوماتي.
بالتعاون مع الإنسان في سوريا
[starbox id=”none”]