إلكسندر غولتس يعرف ماذا يقول. هو نائب رئيس تحرير Yezhednevny Zhurnal وكاتب عامود في موسكو تايمز، ربما هو الصحفي الأكثر إحتراماً في روسيا فيما يتعلق بالقضايا العسكرية والأمنية، كيف يعرض التدخل العسكري الكبير للرئيس فلاديمير بوتين في ساحة المعركة السورية؟
لا شك أنه تدخل كبير. في الثامن عشر من إيلول أكد مسؤول أمريكي رفيع، أنه خلال العشرة الأيام السابقة سجلت أكثر من عشرين رحلة طائرة لنقل دبابات، وأسلحة، ومعدات أخرى، ومشاة من البحرية إلى الموقع الروسي العسكري الجديد بالقرب من اللاذقية في غرب سوريا. وأعقب ذلك نقل 16 مقاتلة روسية من طراز سوخوي 27، إضافة إلى 12 طائرة دعم، و4 مروحيات لنقل الجنود من نوع الهيب الكبيرة و4 حوامات هجومية من نوع هيند.
[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last]
تتضمن الأن التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا صواريخ أرض جو فضلاً عن المقاتلات، وبحلول نهاية أيلول بدأت بتشغيل طائرات بدون طيار في مهمات إستطلاعية. في الرابع والعشرون من أيلول أعلنت موسكو أن أكثر من 40 قطعة بحرية نفذت مناورات قتالية في شرق المتوسط، شملت أطلاق الصواريخ والمدفعية البحرية والأهداف الجوية.
يتمسك بوتين بأن دافعه الوحيد هو قتال الدولة الإسلامية (داعش). “نحن ندعم الحكومة السورية في قتالها ضد عدوان الإرهابيين” كم أكد مؤخراً. ذلك على الرغم من إشارة أكثر من محلل عسكري إلى أن داعش ليس لديها قوى جوية!. التفسير المنطقي الوحيد لعدد وضخامة التجيهزات العسكرية والجوية المتطورة التي تم ضخها في سوريا هو أن لبوتين أهداف أبعد وأعمق من مجرد قتال داعش، في الواقع هذا تأسيس لوجود عسكري كبير في الشرق الأوسط.
باختصار، أصبح الدعم الروسي للنظام السوري أحدث الجبهات في معركة الكرملين الأوسع على المسرح الدولي. كم قال إلكسندر غولتس: “بشكل واضح جداً، تم توجيه كل السياسات الروسية في سوريا من أجل التخلص من العزلة الدولية بسبب أوكرانيا” ضم بوتين لشبه جزيرة القرم، وتدخله العسكري اللاحق في شرق أوكرانيا، أدى إلى عقوبات وبرودة العلاقات الدبلوماسية مع القوى الغربية. هذا ما يريد التصدي له في مغامرته في سوريا. هو يعبد طريقه نحو موقف قوي ومؤثر في المنطقة، الموقف الذي على الغرب ببساطة أخذه في الحسبان.
لا شك أن مبادرة بوتين ذكية، مناورة متعددة الأوجه. هو يصطاد ثلاثة أو أربعة طيور بحجر واحد. على سبيل المثال، فإن أي تغيير في النظام السوري قد يمس بشكل خطير بالمصالح العسكرية والتجارية الطويلة الأمد لروسيا في سوريا. بالطبع، القاعدة البحرية في طرطوس، منفذ روسيا الوحيد على البحر المتوسط، ولكن أيضاً مليارات الدولارات من الإستثمارات التجارية، بما في ذلك البنية التحتية للنفط والغاز، ستكون جميعها على المحك.
ثانياً، هو قلق بشأن الأمن الداخلي لروسيا فيما لو أن داعش سيطرت على المزيد من الأراضي السورية، أكثر مما هو في حوزتها بالفعل. فلا شك أن داعش تمارس تأثيراً خبيثاً على الشباب المسلم في جميع أنحاء العالم، وبالتأكيد أن روسيا نفسها تواجه تمرداً إسلامياً في الشيشان وشمال القوقاز. بعض من كبار القادة العسكرين في داعش هم من أصول شيشانية. ويمكن أن يؤدي تحقيق داعش للمزيد من النجاحات إلى مخاطر أمنية جدية داخل روسيا الأم.
مؤخراً قال بوتين شيئاً ما عن خصوصية الأهمية السورية. متحدثاً في مؤتمر الأمن الإقليمي في منتصف أيلول في طاجيكستان، هو لم يدافع فقط عن دعمه لنظام الأسد، بل شجع الدول الأخرى للقيم بالمثل.
“لقد كنا ومازلنا، وسنظل، نزود سوريا بكل الاحتياجات العسكرية التقنية الضرورية ونحن ندعو الدول الأخرى لتحذوا حذونا”
بوتين أفعاله ليست أقل من كلماته، وقد فاز بإعجاب بعض الجهات على مضض، وخلال ذات الفترة ومع اعتراف الإدارة الأمريكية بضرورة التعامل معه على أنه لاعب أساسي في الشرق الأوسط – الأمر الذي دفع بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري الإعتراف الأن بأنه قد يكون من الضروري السماح للرئيس بشار الأسد الاحتفاظ بالسلطة لفترة مؤقتة، وكذلك المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل التي قالت أن على الغرب العمل مع الأسد إذا كان في ذلك فرصة لإنهاء الحرب الأهلية السورية. وأخيراً بريطانيا التي تلمح إلى تغيير مماثل في السياسة.
الحظ يختار الجريء، وبوتين قد وقف حيثما يخشى الأخرون أن يقفوا – الأرض السورية بعينها، قتال داعش لزمن طويل دون وجود قوات على الأرض، وهو الأسلوب الذي طالما فضلته الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، قد ثبت فشله. وفقاً لتقارير وكالات المخابرات الأمريكية فإن تنظيم داعش مازال يتمتع بذات القوة التي كان يتمتع بها عندما بدأت الولايات المتحدة بشن هجماتها الجوية ضد التنظيم في آب 2014، و وفقاً لمسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية “لم نلاحظ أي تدهور ذو أهمية في أعدادهم” مشيراً إلى أن التقديرات التي قدرت أعداد عناصر التنظيم ما بين 20,000 إلى 30,000 مقاتل هي ذات التقديرات عندما بدأت الضربات الجوية.
حان الوقت لبعض التفكير الواضح، من الذي يشكل الخطر الأكبر على العالم، المستبد بشار الأسد، المسؤول بدون شك عن جرائم حرب مروعة ضد شعبه خلال محاولته اليائسة للاحتفاظ بالسلطة، أو أنها وحشية وهمجية ولا إنسانية وجاهلية داعش وزعيمها القوي المخبول، أبو بكر البغدادي، الذي نصب من نفسه خليفة على كل المسلمين، والعازم على إخضاع الشرق الأوسط بداية لخلافته ومن ثم العالم؟
يعتقد كون كالفين، الخبير البريطاني بشؤون الشرق الأوسط، أن الأرتباك العميق الجذور موجود في أعلى الرتب في كلا الحكومتين الأمريكية والبريطانية حول الهدف الرئيسي المتوجب تحقيقه في سوريا، إسقاط نظام الأسد، أو تدمير داعش.
يؤكد كالفين “مهما كانت خطاياه – وهي كثيرة، لا يشكل الأسد تهديداً للعالم الخارجي … إنهم الإرهابيون المتعصبون المرتبطون بداعش التي تشكل الخطر الأكبر.” وربما أضاف أن طرد داعش من سوريا وإستعادة الاستقرار هو الطريق الأكثر تأثيراً لوقف التدفق الهائل من المدنيين الهاربين من تلك الحرب التي مزقت أمتهم، وهو أيضاً الطريق الأسهل للتخفيف من أزمة اللاجئين والتي تقترب من سحق أوربا.
الاستنتاج المنطقي واضح ومن السهل رؤيته. إذا كان بوتين يريد شن شاملة ضد داعش، يجب على الغرب أن يكون مستعداً لمنحه الدعم الكامل. إمكانية تشكل “تحالف كبير” للقضاء على داعش يصبح ممكناً الآن. باختصار، كما يؤكد إلكسندر غولتس بدهاء في مقالة لمجلة موسكو تايمز في 21 أيلول: “برفع العصى في سوريا، يكون الكرملين قد نجح في أن يجعل من نفسه لاعب رئيسي لا غنى للغرب عنه”.
[starbox id=”none”]