تعيش العاصمة الليبيّة هذه الأيّام فوضى سلاح عارمة بشكل أصبح فيه من الصعب معرفة أطراف الصراع. تحتلّ ليبيا المرتبة 17عالميا من حيث المساحة والمرتبة ال 10 كاحتياطي نفط بعدد سكّان لا يتجاوز ال 8 ملايين نسمة. مدينة ترهونة جنوب طرابلس بوزنها القبلي الواصل والفاصل بين قبائل ليبيّة كبيرة صنعت حدث اسرى فى كلّ مفاصل ليبيا، بتأثير ممتدّ إلى القوى العالميّة والإقليميّة المؤثّرة مباشرة أو من تحت الطاولة على البلاد.
خارطة السيطرة في ليبيا
منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافى وليبيا تحت الوصاية تتحكّم فيها ميليشيات لها ارتباطات بأكثر من دولة وقوة محلية وإقليمية، واقع عرض البلاد لنهب خيراتها. أمريكا هي المتحكّم الفعلي فى المشهد الليبي، مع تفويض تكتيكيّ لفرنسا وإيطاليا حسب طبيعة المرحلة والمصلحة. لمصر والإمارات دور ميدانيّ فاعل فى الشرق الليبي بالتنسيق مع المشير خليفة حفتر. كذلك لتركيا وقطر دور مهمّ وداعم لحلفائهما بالتنسيق مع مصراطة ومليشيات طرابلس.
تلعب قبيلة الزنتان دور اً مناوراً يجمع بين مصالح الجنرال أسامة الجويلى الأقرب لفبراير، نسبة لثورة فبراير 2011 ومبادئ مجلس شيوخ القبيلة الأقرب لقبائل تدين بالولاء تاريخيّا لسبتمبر ، نسبة لانقلاب القذافي في سبتمبر 1969. لذلك تحمى سيف الإسلام القذافي رافضة مطلب الجويلى بتسليمه لحكومة السّراج. يسيطر الأمازيغ على المعبرين الحدوديين الوحيدين غربا، وازن ورأس جدير، مع الاستفادة من عوائدهما الماليّة من أتاوات يدفعها المسافرون من وإلى تونس.
ليبيا كانت مقسّمة الى ثلاث أقاليم: طرابلس وبرقة وفزّان. أصبحت اليوم مقسّمة الى أقاليم عدّة بلا حدود ثابتة ولا قيادة محليّة قويّة. باختصار، ليبيا تحت سلطة “البلطجيّة” وعصابات التهريب التابعة للخارج. من سيسيطر على طرابلس والهلال النفطى والمعابر الحدوديّة سيكون الأوفر حظّا لحكم ليبيا وبدعم داخلي يبحث عن الأمن والأمان والخدمات، وخارجي يبحث عن وقف تدفّق الهجرة وتأمين منابع ومواصلات النفط حفاظ ا على استقرار السوق الدولي.
اللواء السّابع مفجّر الأحداث الأخيرة
اللواء السابع هو نتاج انتقال مليشيات مسلّحة في مدينة ترهونة إلى تشكيلة عسكريّة بدعم من حكومة السّراج بدعوى المحافظة على أمن المنطقة وتأمين جنوب طرابلس. عسكريون وأمنيون سابقون انتظموا فى شكل لواء سمّي بالسّابع ويتلقّون رواتبهم من حكومة السرّاج. بالتّوازى مع ذلك تشكّل اللّواء 22 بأمر ودعم من المشير خليفة حفتر المناهض لحكومة السراج. أصبح بترهونة لواءان أحدهما داعم للسرّاج والآخر داعم لحفتر ولكلاهما حاضنة قبليّة واحدة ممّا يعكس إزدواجيّة الشخصيّة العامة فى حالة عدم الاستقرار السّياسي.
بأمر من القوات الأمريكية “الأفريكوم” خرجت مليشيات مصراطة والقاعدة من طرابلس متّخذين من امسلاّتة مقرّ اً لقيادتهم تحت إشراف موحّد من المفتى الصّادق الغريانى وجعلوا من مدينة النقازة مقرّ انتشار القوّتين ميدانيّا.ًالحالة العامة وخاصّة الميدان حتّمت التواصل والتنسيق بين ترهونة وقوات مصراطة والقاعدة لتطويق طرابلس من الجنوب والشرق. تحوّل التنسيق إلى تحالف بين مليشيات الكانى, ترهونة, ومليشيات مصراطة والقاعدة ضدّ مليشيات طرابلس في تكتيك غريب بعثر الأوراق وجعل الشّارع الليبي حائراً في من سيدعم! صمتت القوى المدنيّة ورفضت دعم أي شقّ مسلّح مع تضارب كبير في التصريحات من رموز النظام السابق وقوات الكرامة من بنغازي وشيوخ القبائل وقادة المليشيات.
تطورات الأحداث والتحالفات
دخول صلاح بادي لطرابلس مناصر اً للكاني جعل سكّان العاصمة ينظرون بريبة الى طبيعة التحرّك خاصة وأنهم يرفضون تواجد قوات مصراطة والزنتان والجماعات المسلّحة بمدينتهم. اختيار تاريخ الأول/الفاتح من سبتمبر لتفجير الأحداث لم يكن موفّقا لجلب تعاطف قواعد النظام السّ ابق بحكم التضارب في المواقف والبيانات. حلفاء الأمس يتقاتلون فى العاصمة والهدف السيطرة على مقرّات السّلطة والبنك المركزى والمطار والسجون والميناء.
حرب يقودها الكانى وبادى وغنيوة والتاجورى حيث ضبّاط النظام السّابق مأمورين من مدنيين لا آمرين لعساكر. في هذه الأحداث، غدا المواطن الليبي العادي لا يثق الاّ في الجيش. الحالة فى طرابلس أصبحت تحت سيطرة تناقضات انانيّة فرديّة همّها المال والسلطة والقوى التى ستكون فاعلة مستقبلا تراقب المشهد باستثمار ذكيّ وبتنسيق مع قوى خارجيّة داعمة .
يتابع الغرب الأحداث بدقّة محاولاً فرز رجل المرحلة القادمة من التّناقضات المتصارعة على الساحة كبديل للسّراج الذى لم يفلح حتى في تأمين ضواحيه الطرابلسية. إيطاليا تحنّ الى مستعمرتها القديمة. فرنسا تحاول التعويض عن ما خسرته من مستعمراتها الإفريقيّة. مصر توسّع نفوذها شرقا وغربا وجنوبا بعد إمضاءها اتفاقية استراتيجية مع السودان وترويضها لحماس وتحالفها مع حفتر. أمريكا حكم قاس يسعى الجميع لإرضاءه فى مقابلة تلعب فيها روسيا والصين دور مراقبي الخطوط.
يبحث الجميع عن الرجل الليبي القويّ المؤمّن للمصلحة أوالمصالح، والممسك بالإدارة والأرض. لن تخرج ليبيا من عنق الزجاجة إلا بحكم انتقالي مركزى قويّ يقوده شخصية قوية جامعة كالمشير حفتر أو سيف الاسلام القذافى أو جادالله عزوز الطّلحى أو بتنسيق بينهم على أن لا تفوت المرحلة الانتقاليّة سنتين يترشّح بعدها من يريد الحكم لانتخابات لا تقصى أحدا ويسبقها عفو عام لما سبق من جرائم . لكنه يبقى من الأفضل أن يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل بين الليبيين ليختاروا طبيعة النظام الذى سيحكمهم سواء كان ملكيّا او جمهوريّا او جماهيريّا مع الحفاظ على وحدة البلد وإعادة بناء الجيش والأمن والقضاء. لليبيا أسبقيّة المال فهل ستتحقّق معه سابقة الحكمة والتعقّل؟
الكاتب رضا يوسف احمودي: صحفي وكاتب من تونس