قد يختلف رجال الدين في السعودية مع نظرائهم الإيرانيين على تعريف الإسلام ومن هو المسلم, لكنهم يتفقون على شيءٍ واحد: كرة القدم تلهي عن الشعائر الدينية.
في آخر نزالٍ كرويٍ/إسلاموي, تناقش إيران جدوى المشاركة في مباراتها ضد كوريا الجنوبية في 11 أكتوبر, ضمن تصفيات كأس العالم للعام 2018, حيث تصادف المباراة يوم تاسوعاء (التاسع من محرم) وهو أحد أكثر الأيام قداسةً لدى الشيعة, حيث يحيي المؤمنون من الشيعة ذكرى استشهاد الإمام الحسين حفيد الرسول الكريم.
يأتي الجدل الإيراني بعد ستة أعوامٍ من حادثةٍ ركنَ فيها رجلُ دينٍ سعودي عربة نقل بضائع أمام مقهى للانترنت ليحث المتابعين على التوقف عن متابعة مباريات كأس العالم للعام 2010 في جنوب إفريقيا, والتي كانت تُعرضُ في أوقات الصلاة. مدّ الإمام وقتها سجاداتٍ حمراء ليجذب المشجعين للصلاة.
تلفت هذه الحوادث النظرَ إلى الخطر الذي يستشعرهُ أصحابُ العمائم -بغض النظر عن انتمائاتهم الطائفية- من كرة القدم, إذ يرونها منافساً قادراً على تحريض حماسٍ وشغفٍ عميق لدى الشبان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, بشكل مشابهٍ لما يفعله الدين.
على الرغم من اتفاق مواقف رجال الدين لدى الطرفين من اللعبة, فقد وصل التوتر السعودي/الإيراني حداً متفاقماً في وقتٍ سابقٍ من هذا العام عندما رفض المنتخب السعودي المشاركة في مباريات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم التي تُقام في الجمهورية الإسلامية, نظراً لتدهور العلاقات بين البلدين بسبب صراع الهيمنة على المنطقة.
يدور الجدل الإيراني حول المباراة مع كوريا الجنوبية بعد ثلاثة أعوام من مباراة السعودية وإيران الحاسمة في 2014, التي لعبها المنتخب الإيراني قبيل انتخاب الرئيس حسن روحاني بأيام. خشيت السلطات الإيرانية يومها من استغلال المباراة كمكانٍ لإقامة مظاهرات ضد الحكومة في حال خسر روحاني الانتخابات لصالح أحد منافسيه المتشددين. قدمت المباراة يومها فرصةً للاحتفال بنصرين: نجاح روحاني في الانتخابات وفوز المنتخب الوطني الإيراني.
يأتي هذا الجدل في إيران بعد أن طلب آية الله محمد يازدي, الرئيس السابق للمجلس القضائي الإيراني وأحد الأعضاء المتشددين السابقين في مجلس الخبراء الذي ينتخب ويراقب القائد الأعلى في إيران, طلب من وزير الرياضة وشؤون الشباب محمد غودارزي أن يتم تأجيل مبارة الأسبوع القادم لما بعد تاسوعاء. يشغل آية الله محمد يازدي حالياً منصب رئيس مجمع معلمي المدارس في مدينة قم المقدسة, ويعتبر من أشد منتقدي سياسات روحاني الأكثر تحرراً اجتماعياً وثقافياً.
تم اختيار يوم المباراة قبل معرفة أيام إحياء ذكرى استهشاد الحسين, حيث يستخدم المسلمون رؤية الهلال لتحديد الأيام المقدسة كل عام.
استهزأ نائب رئيس البرلمان علي مطاهري -وهو ابن أحد أبرز رجال الدين الشيعة- من انتقادات آيةِ الله, وقال برسالة مفتوحة وفقاً لما نقلته المونيتور: “تخيل أن تحرز إيران هدفاً على كوريا الجنوبية, ويهتف بعض الناس ابتهاجاً, هل يعني هذا أن الناس يهتفون ابتهاجاً لاستشهاد الإمام الحسين؟ ماذا إذا التقى أحدهم بأمه أو أبيه أو ابنه بعد غياب سنوات في ليلة عاشوراء, هل عليه أن لا يكون سعيداً وأن لا يبتسم ليتجنب انتهاك حرمة عاشوراء؟”
عبّر موطاهري عن فهمه لمدى تأثير كرة القدم, عندما حذر أن نهج آيةُ الله يازدي يعبر في نهاية المطاف عن هزيمة كرة القدم للإسلام. “إنّ موقف آية الله يقارنُ بمواقف الكنيسة الكاثولوكية في القرون الوسطى, موقفٌ أدى إلى هروب الأوروبيين من الدين” حسب تعبير مطاهري.
أطلق الجدل شرارة البداية لكومة من الشائعات والتقارير الغير المؤكدة عن المحاولات التي قد يتخذها اتحاد كرة القدم الإيراني للتوصل لحلٍ يرضي المواقف المختلفة. أظهرت عدة تقاريرٍ أن إيران طلبت أن يمتنع مشجعوا كوريا الجنوبية عن تشجيع فريقهم الوطني, أو أن يلبس لاعبوا الفريق الكوري قمصاناً ذات ألوان داكنة بدلاً من لباسهم الأحمر التقليدي, كاعترافٍ بالحداد على استشهاد الإمام الحسين.
التناقض في أوساط رجال الدين السعوديين والإيرانيين حول كرة القدم عميق الجذور.
دفعت شعبية كرة القدم ملالي إيران أن يرفعوا حظرهم عن اللعبة الذي فرضوه عقب اسقاط الشاه عام 1979. عبّر الملالي وقتها عن قلقهم من كرة القدم في كتيبٍ نشره جهاز بروبوغاندا الثورة الإسلامية بعد عامٍ من قيام الثورة, يشرح فيه أن المال المصروف على كرة القدم يمكن استثماره بشكل أفضل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
حاربت المؤسسات الدينية السعودية كذلك كرة القدم. حيث صادق الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على اللعبة, لكنه منع المنافسة فيها, قرارٌ تجاهلته الحكومة السعودية بشكل كامل.
بالنسبة لرجال الدين السعوديين, فإن شيعة إيران زنادقة. وتعتبر إيران أن تفسير السعودية الوهابية المتزمت للإسلام أصل التطرف الجهادي السني. يبدو أن القليل فقط يجمع البلدين و مؤسساتهما الدينية, أمرٌ يجعل التقاء الآراء حلول كرة القدم أمراً لافتاً للنظر!
جيمس ام دورسي هو زميل بارز في مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، المدير المشارك لمعهد ثقافة المشاهير من جامعة فورتسبورغ ومؤلف مدونة، العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط، و كتابا مقبلا يحمل نفس العنوان
ترجمة مصطفى قره حمد
المادة الأصلية باللغة الانكليزية هنا