بداية حرب جديدة في سوريا؟
ما الفرق بين العدو الرئيسي للتحالف الأمريكي الدولي وبين العدو الرئيسي لتركيا في المنطقة العربية؟ بدأ فصل جديد بسيطرة القوات السورية الكردية المدعومة أمريكياً على مدينة الرقة ودحر مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. صحيح أن سقوط عاصمة ما يسمى بالدولة الإسلامية قد يضع نهاية حرب ولكنه ينبئ ببداية حرب جديدة في سوريا. لكن بين من ومن؟ حكيم خطيب يوضح ذلك في تحليله التالي
استولت القوات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والمعروفة بقسد، تماما على الرقة السورية التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلامياً باسم داعش. تحارب القوى الديمقراطية السورية، وهي تحالف من الميليشيات الكردية والعربية بدعم من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، الدولة الإسلامية داخل الرقة منذ يونيو / حزيران 2017
على مايبدو دحر داعش في الرقة هو نهاية حرب ضد تنظيم الدولة المتطرف لكنه يمكن أن يكون بداية حرب جديدة في سوريا بين القوى الكردية والجيش التركي. وفي ضوء المعارضة التركية الشديدة، يبدو أنه إذا سُمح للأكراد بإقامة منطقة مستقلة في الشمال السوري بعد عملية الرقة، فإن احتمالية التدخل التركي لمنع حصول ذلك تصبح كبيرة جداً
اتفاق لعبور آمن لمقاتلي داعش وسط صمت تركي
كما هو الحال في العديد من العمليات العسكرية التي قامت بها القوات العراقية والسورية (مع حلفائهم الروس والإيرانيين وحزب الله) والقوى الديمقراطية السورية، هناك خسائر كبيرة في أرواح المدنيين. وهذه الخسائر تتفاقم بسبب استماتة تنظيم داعش في الدفاع عن مناطقه أيضاً. كما تشمل تكتيكات داعش استخدام أعداد كبيرة من المتفجرات، وحقول الألغام، بالإضافة للاستخدام العشوائي للدروع البشرية في اشتباكاتها العسكرية
هذه الممارسات، بالرغم من عدم إنسانيتها، لا تشكل خطرا على المصالح التركية على المستويين الداخلي والإقليمي. لكن هذا لا يعني أن هناك تعاطفا تركيا من أي شكل مع تمدد الدولة الإسلامية
كشف بيان صادر عن قوى التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن اتفاقا بين القوى الديمقراطية السورية من جهة وبين مقاتلي داعش من جهة أخرى تم التوصل إليه بوساطة مجلس الرقة المحلي وشيوخ القبائل العرب المحليين فى 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 “يهدف إلى الحد من الخسائر فى صفوف المدنيين“
وهنا تتعارض التقارير حول الشروط الفعلية للاتفاق، ولكن في جوهرها، يوفر الاتفاق العبور الآمن من المدينة لمقاتلي داعش في مقابل التسليم الآمن للمدينة إلى القوى الديمقراطية السورية بهدف الحفاظ على سلامة السكان المحليين
غير أن التعقيدات لاتتوقف هنا، ففي البداية، رغم كل الغموض حول نقاطه، كان يُعتقد أن اتفاق شيوخ القبائل لا ينطبق إلا على المقاتلين السوريين من داعش، ولكن تبين لاحقاً أنه ينطبق أيضاً على المقاتلين الأجانب كذلك
بالمقابل فإن تركيا لم تبدِ استعدادها للمشاركة بالعملية الجارية في الرقة ولا بالتعليق على الاتفاق المذكور أعلاه، إلا أنها من الممكن أن تعقّد أي تسوية يمكن التوصل لها، خصوصا إذا كانت التسويات تتضمن زيادة احتمالية حصول الأكراد على منطقة حكم ذاتي في الشمال السوري
المعارضة التركية المتزايدة لتطلعات الأكراد
إن معارضة تركيا للقوى الديمقراطية السورية المدعومة أمريكياً في الرقة، بالإضافة لمحاولتها كبح التطلعات الكردية بالاستقلال بشكل عام، قد تتزايد بعد تحرير الرقة. هذه المعارضة تأتي بإطار التداعيات على المستويين الداخلي والإقليمي.
فعلى المستوى الداخلي، زيادة القوة الكردية في شمال سوريا من شأنه أن يعزز الحركات الكردية الانفصالية بتركيا. وعلى المستوى الإقليمي، زيادة القوة الكردية في شمال سوريا يؤدي إلى تعزيز انفصال كردستان العراق، خصوصاً بعد الاستفتاء الكردي في شهر سبتمبر / أيلول 2017
وبما أن الأتراك يعتبرون الجماعات الكردية السورية التي هي المشاركة الرئيسية في القوى الديمقراطية السورية امتدادا لحزب العمال الكردستانى، المصنف من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بأنه “مجموعة إرهابية“، فإن تركيا تصر على محاربة الأكراد الذين يمكن أن يظهروا رغبة بالانفصال، تحت اسم مكافحة الإرهاب
من جانبه، قال مراد يسيلتا، مدير الدراسات الأمنية في مركز سيتا، وهو مركز أبحاث مقرب من الحكومة التركية مقره أنقرة: “بعد عملية الرقة سيكون هناك فراغ في السلطة في فترة ما بعد داعش“. وأضاف: “تريد تركيا الاستقرار السياسي حيث ستقوم بالحفاظ على الديموغرافيا العربية التي تشكل الأغلبية، ولا لمزيد من هيمنة حزب العمال الكردستاني“
تجدر الإشارة إلى أن حزب العمال الكردستانى الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية يقاتل الحكومة التركية من أجل تحقيق الحكم الذاتى منذ عقود، حيث أن المناوشات تحدث بشكل شبه منتظم بجنوب شرق تركيا
الحال في سوريا كما هو في العراق، لعب الأكراد دوراً رئيسيا في هزيمة داعش. ومثل إخوانهم في شمال العراق، يسعى الأكراد السوريون للحصول على الاعتراف السياسي بمساهماتهم. غير أن تركيا كانت وما زالت تدفع كلاً من الحكومتين العراقية والسورية للحد من قدرة الأكراد على تحقيق الحكم الذاتي أوالاستقلال
وهذا الموقف التركي كان واضحاً في السابق حيث كانت تركيا من أشد المعارضين لإنشاء أمريكا للقوى الديمقراطية السورية التي من شأنها رفع إمكانيات الأكراد العسكرية في الشمال السوري.
هذه المعارضة تكررت عند الإعلان عن النسيق بين الأمريكان والقوى السورية الديمقراطية لتحرير الرقة من داعش. فقد أصر الأتراك على أن القوى التي يمكن أن تقوم بتحرير الرقة هي القوى التابعة للجيش السوري الحر، مدعين أن القوى السورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية لن تكون مكان ترحيب بها في مدينة الرقة ذات الأغلبية العربية المسلمة السنية
وقد قال إردوغان في مايو/ أيار 2017: “ليس هناك مكان للمنظمات الإرهابية في مستقبل منطقتنا. إن أخذ وحدات حمایة الشعب الكردية وحزب الاتحاد الدیمقراطي الکردي بالمنطقة في الاعتبار لن یتم قبوله مطلقاً، وسیکون هذا ضد اتفاق عالمي توصلنا إلیه. وينبغي ألا نسمح أبدا لهذه الجماعات –التي تجعل من الإرهاب ذريعة أو سبباً– بالتلاعب بالهيكل الديني والهيكل الإثني للمنطقة“
كما أن ازدياد قوة الأكراد في الشمال السوري قد تؤدي إلى نشوء معارضة بين الجماعات العربية السورية المسلحة، وخصوصا تلك الفرق المدعومة من قبل تركيا
المعارضة التركية الشديدة للقوى الكردية يأتي في ضوء الخلافات بين تعريف دول التحالف وتركيا للعدو الرئيسي. دول التحالف تدعم القوى الكردية في سوريا وتحدد العدو الرئيسي على أنه داعش، بينما تركيا ترى أن القوى الكردية هي العدو الرئيسي. أي شكل للحل يمكن أن يبدأ بتحليل التعريف التركي للعدو الرئيسي
حكيم خطيب رئيس التحرير
المقال الأصلي هنا