تتفق الأنظمة الاستبدادية والمؤسسات الدينية في العالم ذي الأغلبية المسلمة حول موضوع الإلحاد. متحدون بخوفهم من فقدان السيطرة على سكانهم ورغبتهم في فرض معايير اجتماعية موحدة تلغي التعددية، دفعت الحكومات المتعاقبة في هذه البلدان إلى فرض قيود غير عادلة على معتقدات رعاياها. لكن حتى على المستوى الاجتماعي بعيد عن السلطة، يظل عدم الإيمان من المحرمات. هل يجب أن يرفع الملحدون في العالم ذي الأغلبية المسلمة أصواتهم؟
هذا ويعد البرلمان المصري مشروع قانون لتجريم الإلحاد في مصر منذ مارس 2018. هذه الخطوة هي واحدة من العديد من الخطوات التي اتخذتها مصر مؤخرا لمكافحة الإلحاد. يتكون القانون المقترح من أربع مواد. يعرّف البند الأول فهم الدولة المصرية للإلحاد. الثاني يجرم الإلحاد ويفرض عقوبات صارمة على الملحدين. ينص الثالث على رفع العقوبات عندما يتخلى الشخص عن معتقداته الإلحادية ، والرابع هو أن عقوبات الإلحاد المنصوص عليها في القانون يجب أن تكون “صارمة للغاية”.
الأنظمة الدكتاتورية تزدهر من خلال عدم التعددية
من المرجح أن تجد مناهضة الإلحاد جذوراً في التعاليم والتقاليد الإسلامية والمسيحية لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع ذلك ، فإن التحالفات بين النخب السياسية والنخب الدينية الحاكمة في الدول الاستبدادية لها أهمية خاصة لأنها تفرض عدم تعددية دينية واجتماعية وسياسية داخل المناطق التي تحكمها. هذه المستويات الثلاثة من عدم التعددية تفرض في نهاية المطاف المعايير الاجتماعية الإقصائية تجاه الملحدين.
لم يخترع الديكتاتوريون الدلالات السلبية لكلمة “الإلحاد”. لقد استخدم الديكتاتوريون العلمانيون كلمة الإلحاد للبقاء في السلطة والقضاء على المعارضين السياسيين. وبعبارة أخرى ، كانت كلمة “الإلحاد” بالفعل كلمة طنانة قبل عصور الدكتاتورية الحديثة.
ربط الديكتاتوريون مثل ناصر والسادات في مصر أو الأسد في سوريا كلمة “الإلحاد” بأطراف سياسية معينة مثل الشيوعيين لاستبعادهم من المشاركة السياسية. ومع ذلك ، فإن الحملات المعادية للإلحاد في الدول ذات الأغلبية المسلمة لا تحركها السياسة فحسب، بل النخب الدينية المحافظة التي توصلت إلى توافق مع الديكتاتوريات في المنطقة منذ الخمسينيات.
لذلك الحملات المعادية للإلحاد لم تنشأ بسبب، ولكن على الرغم من الطغاة المستبدين. لقد سمح الديكتاتوريون العلمانيون بـ “الحملات المعادية للإلحاد” من أجل التمتع بمصداقية حلفائهم الداخليين -أي النخب الدينية المحافظة. وبهذا المعنى، يتعلق الأمر بالسلطة، خاصةً أن الأطراف السياسية تفقد مصداقيتها وبالتالي يتم استبعادها تلقائيًا من المشاركة السياسية بمجرد ارتباطها بالإلحاد.
من خلال هذه الممارسات الديكتاتورية، أصبح التمييز ضد الملحدين أمرًا شائعًا ليس فقط في الخطاب الديني، الذي يسعى إلى إضفاء الشرعية على الاستبداد السياسي، ولكن أيضًا في الخطابات الإعلامية في جميع أنحاء المنطقة. في هذه الخطابات، يبقى الإلحاد موضوعًا محظورًا وغالبًا ما يعتبر غير مناسب أو ضار للمجتمع.
الملحدون المختلفون
لا يزال الإلحاد موضوعًا محظورً في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وغالبًا مايعتبر شيئًا ضارًا للمجتمع. وليس من المفاجىء أن التعصب تجاه الكفر أو الإلحاد هو قاسم مشترك بين الديانات التوحيدية الثلاث. في حين أن الإسلام مبني على فكرة توحيد الله، فإن الإلحاد يُعتبر من أبغض المحرمات بين غالبية المسلمين. بمعنى آخر، هناك تمميز ضد الملحدين من قبل المسلمين بشكل عام. يصل هذا التمييز إلى ذروته عندما يكون الملحد مولوداً لعائلة مسلمة، أي أن الملحد كان مسلماً سابقاً أيضًا.
بشكل عام، هناك فئتان من الملحدين لدى الأصوليين الإسلاميين في العصر الحديث: الفئة الأولى هي الملحدين المولودين لأبوين غير مسلمين، والثانية ملحدين مولدين لأبوين مسلمين. في حين أن التفسيرات الإسلامية لا تركز في المقام الأول على الفئة الأولى، فإنها تركز على الفئة الثانية. والسبب هو أن أولئك الذين يتركون دينهم يُنظر إليهم بعد ذلك على أنهم تهديد وهجوم مباشر على ما يمكن تسميته الهوية الإسلامية، ناهيك عن قوانين الردة التي يتم تفعيلها بين الحين والآخر.
ضعف الحوار المتمدن
من الواضح أن الكلمات “ملحد” و “مسلم سابق” ليست مرادفًا لمصطلح “ديمقراطي ليبرالي”. لا يزال هناك نقص حوار متمدن من قبل أعداد كبيرة من الملحدين ذو جذور إسلامية.
في الواقع، هناك سرديات غير ليبرالية بين الملحدين في وسائل التواصل الاجتماعي ضد المسلمين التي يمكن وصفها بأنها راديكالية. على سبيل المثال، بعد الانتفاضات العربية في عام 2011 وعندما بدأت أصوات الملحدين بالانتشار في جميع أنحاء وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الملحدون المتطرفون من أعلى الأصوات التي قامت بالإساءة إلى المسلمين.
هذا الاتجاه أدى إلى مزيد من شيطنة الملحدين على مستويين. أولاً ، وفقًا للسرديات الأصولية الإسلامية، فإن هناك ملحدين راديكاليين اعتنقوا شكلاً سامًا من التعصب المعادي للإسلام ولكنهم يتنكرون بالإلحاد العقلاني. يقدم هذا دليلًا للأصوليين على أن الإلحاد هو في الواقع تطرف، مما يجعل الملحدين عرضة للإقصاء المبرر اجتماعيًا.
ثانياً ، وفقًا للتفسيرات الأصولية، فإن الإلحاد ممنوع تمامًا في الإسلام، مما يجعل الملحدين عرضة للاضطهاد المبرر دينياً.
الكاتب: حكيم خطيب: رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط للسياسة والثقافة