التسامح الديني لا يعاقب الإبلاغ عن الإلحاد المحرم في المجتمع المصري. الإعتراف بحقوق الملحدين لايعني تبني أفكارهم.
مقارنة مع المؤمنين الذين يؤمنون بدين واحد فإن الملحدين يختلفون عن المؤمنين بأنهم لايأمنون بذلك الدين. لذلك من حق كل شخص التعبير عن أفكاره أو أفكارها دون خوف أو ترهيب.
تحديا للقمع الديني والتقاليد الاجتماعية الصدئة، العديد من المصريين يعرضون حياتهم للخطر من أجل دعم الحريات وقيم التسامح.
التمييز الممنهج
التمييز ضد الملحدين في مصر هو في المقام الأول نتاج التقاليد الاجتماعية المحافظة والمؤسسات الدينية التابعة للدولة – جامع الأزهر والكنيسة القبطية. القوانيين والسياسات في مصر تحمي الحرية الدينية ولكنها تعاقب السخرية أو ازدراء الأديان السماوية بالقول أو الكتابة – أي أن إهانة البوذية أو الهندوسية لا يعتبر أزدراءا للأديان حسب القانون المصري ولكن إهانة الإسلام أو المسيحية أو اليهودية يمكن أن يستوجب العقوبة.
بين عامي 2011 و2013 “أدانت المحاكم المصرية 27 من 42 متهما بتهمة ازدراء الأديان” ، وفقا لصحيفة الغارديان. ومن المثير للاهتمام يحق للمواطن المصري اختيار واحدة من الديانات السماوية الثلاثة، وهي الإسلام أوالمسيحية أواليهودية. بعبارة أخرى، يسمح للناس أن تؤمن أو تكفر بأي دين ولكن لايسمح الاعتراف قانونيا بمعتقداتهم أو عدمها. لذلك في السجلات الرسمية كل الناس في مصر يجب أن يصنفوا على هذا النحو. بهذا المعنى يتم إلغاءالتنوع الاجتماعي في مصر بشكل منهجي.
ووفقا للإحصاءات الرسمية، فإن المعتقدات الدينية في مصر هي كما يلي: 90 – 94% هم من المسلمين السنة 6 – 10 % من المسيحين الأقباط. بما أن الإلحاد لا يقتصر على شريحة معينة من المجتمع المصري، لا تزال البحوث ذات مصداقية غير موجودة في هذا الشأن. هذا يعود إلى السبب أنه ببساطة كون الإنسان بلا دين هو من المحرمات في مصر.
بشكل مشابه لحروبهم المعلنة على الإرهاب والفساد والإهمال، أعلنت مؤسسات الدولة السياسية والدينية مجددا “الحرب على الإلحاد”.
في تقرير عام 2014 أكدت دار الافتاء المصرية أن عدد الملحدين في مصر لا يتجاوز 866 شخص – أي نسبة الملحدين من سكان مصر لا تتجاوز 0,001% . في حين أن أساليب البحث العلمي لعلماء الأزهر التي قامو باستخدامها للوصول لهذا الرقم الدقيق ماتزال مجهولة، يبقى الخطاب التمييزي ضد الملحدين شائع في مصر.
يتزايد الخطاب التمييزي ضد الملحدين خاصة من قبل الجامع الأزهر والكنيسة القبطية. بدأت من عام 2014 كلا المؤسستين بالتعاوان لمحاربة الإلحاد من أجل ” إنقاذ المجتمع المصري “. وفي العام ذاته، بدأت الحكومة ” الحملة الوطنية ” لمكافحة انتشار الإلحاد بين الشباب مستعينة بخبرات عدد من علماء النفس والإجتماع والسياسة.
وقالت نعمات ساتي ، رئيسة الإدارة المركزية للبرلمان والتعليم المدني بوزارة الشباب والرياضة في عام 2011 أن ظاهرة الإلحاد أصبحت ملحوظة ومنتشرة على نطاق واسع بين الشباب مشابهة لظاهرة التحرش والإغتصاب والتطرف الفكري. المقارنة واضحت جدا.
الخطاب الإعلامي ضد الملحدين
هذا الخطاب التمييزي ضد الملحدين يمكن ملاحظته أيضا في وسائل الإعلام المصرية، حيث أن وسائل الإعلام المصرية لاتتمتع بحياد عندما تتناول قضية الملحدين في المجتمع. على غرار الحملات الحكومية والدينية، فإن وسائل الإعلام تصور الملحدين على أنهم مرضى يعانون من اضطرابات عقلية وأنهم يحتاجون لعلاج لكي يتخلصوا من الأوهام التي يتحدثون عنها.
على سبيل المثال ،في عام 2015 في برنامجها ” الصباح من العاصمة ” على القناة المصرية ” العاصمة ” ، طردت صحفية مصرية ضيفا ملحدا خارج برنامجها على الهواء بسبب أفكاره. اندلع جدل شديد بين الصحفية المصرية رانيا محمود ياسين ، المضيفة لنقاش حول الإلحاد، وضيفها الملحد أحمد الحرقان الذي تحدث عن ” عدم وجود إدلة تاريخية بشأن وجود شخصية النبي محمد “.
رانيا ياسين قاطعت الحرقان عن الكلام قائلة: “يالله! إمشي! نحنا مش بحاجة لملحدين أو كفار”. وأشارت الصحفية ياسين أنه يجب على الناس سماع التحذيرات ضد الكفر والإلحاد والأفكار الفاحشة في المجتمع. ومن ثم غادر الضيف النقاش، لكن يبقى أن نتساءل لماذا صحفية مصرية تستضيف نقاشا حول قضية حساسة كهذه في مصر إذا كانت ليست مستعدة للاستماع لما يريد أن يقوله الضيف.
قصص من الاضطهاد
في حين قصص اضطهاد الملحدين كثيرة، سأقدم هنا بعض الحالات لإظهار الكيفية التي يتم فيها التعامل مع هذه المحرمات بشكل منهجي. حتى الآن، لايوجد أي دليل عن علاقة تربط بين تغيير رئيس الحكومة أو التوجه السياسي للحكومة وعدد الهجمات ضد الملحدين.
في عام 2014، كريم أشرف محمد البنى “واحد وعشرون عاما” حكم عليه بسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة “إهانة الإسلام” لأنه ببساطة أعلن أنه ملحد على الفيسبوك. مثير للصدمة، شهد والاده ضده مدعيا أن ابنه “قد تبنى أفكارا متطرفة ضد الإسلام”.
في عام 2013 أصدر رجال دين في مصر مثل أستاذ الأزهر محمود شعبان والعضو في الجامعة الإسلامية عاصم عبد الماجد والباحث السلفي أبو إسحاق الحويني فتوى ضد حامد عبد الصمد لكتابته كتاب عن الفاشية الإسلامية. لقد قاموا باتهام عبد الصمد بأنه زنديق ويجب قتله. قال شعبان على قناة الحافظ التلفزيونية أنه “بعد مواجته [عبدالصمد] بالإدلة يسمح بقتله إذا لم تقم الحكومة [المصرية] بفعل ذلك.”
في عام 2012 ، تم الحكم بالسجن على المدون المصري ألبير صابر لمدة ثلاث سنوات بتهمة إهانة الإسلام لإنه نشر عرض من فيديو يوتيوب [براءة المسلمين] على صفحته على الفيسبوك. في حين أن النيابة لم تجد الفيديو على حساب صابر على الفيسبوك، إلا إنها قامت باتهامه بالتجديف الديني [إزدراء الأديان السماوية] بعد العثور على فيديو قصير من صابر ينتقد فيه القادة والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية.
بعد اعتقال صابر بتهمة التجديف الديني، “حرضت الشرطة السجناء ضد صابر مدعية أنه كان ملحدا وأنه قام بإهانة النبي محمد”، وفقا لتقرير عام 2012 حول التمييز الغير ديني. ونتيجة لذلك التحريض أقدم أحد السجناء على جرح صابر بشفرة حلاقة.
ووفقا لذات التقرير كانت هناك حوادث مماثلة عام 2012 ضد أفراد تم اتهامهم بإهانة الإسلام أو النبي محمد مثل سكرتير المدرسة المسيحي مكرم دياب الذي حكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات وأيمن يوسف منصور ” أربع وعشرين عاما” الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة.
هذه ليست الحوادث الأولى ضد الملحدين. في عام 2007 حكم بالسجن على المدون عبدالكريم سليمان لمدة أربع سنوات بتهمة إهانة الإسلام والرئيس. مدون آخر أسمه كريم عامر حكم عليه بسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة “مشاركات مسيئة للإسلام على الفيسبوك”، وفقا لتقرير 2012 حول التمييز الغير ديني.
بينما الإلحاد في مصر لايزال من المحرمات، فإن التمييز المنهجي ضد الملحدين لايزال شائعا. التقاليد المحافظة والمؤسسات الدينية والسياسية التابعة للدولة تزيد وتعزز من القيود التي تحرم على الملحدين حق الدخول في نقاش جدي حول حقوقهم الأساسية.
الكاتب حكيم الخطيب
المادة بالانكليزية متوفرة هنا