بالرجوع إلى شهر آب، مجموعة من النشطاء الشباب اطلقوا في شوارع بيروت حملة “طلعت ريحتكم“، دفعهم إلى ذلك الأكوام الضخمة من النفايات غير المجموعة الملوثة والتي انتشرت في الشوارع في جميع أنحاء البلاد. “طلعت ريحتكم” لا تشير فقط إلى الروائح الكريهة التي تعم المناطق المدنية المتحضرة في لبنان، ولكن تشير أيضاً إلى الفساد المتفشي في النظام السياسي اللبناني. مطالب الحركة تراوحت بين اتهام وزير البيئة بالفشل في إدارة آزمة النفايات وبين المطالبة بإجراء انتخابات برلمانية جديدة.
كان ذلك في آب، محاولات تدارك الأمور انهارت في أيلول، ومع آواخر تشرين الأول تدهور الوضع، صحيفة “ديلي ستار البنانية” وصفت أسراب الذباب التي تغطي أكوام القمامة في الشوارع “مثل بذار السمسم”، أبو صالح من سكان منطقة الكرنتينا وهي قطاع سكن ذوي الدخل المحدود في بيروت قال: “ليس فقط الذباب، الجرذان تدخل بيوتنا، قبل شهر تعرضت أبنتي لعضة جرذ في ذقنها”.
[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”]نيفي تيلار أحدث كتبه: البحث عن الإنفراج، إسرائيل وفلسطين 2012-2014، يكتب لمجلة الشرق الأوسط.شيء ما فاسد في دولة لبنان،[/one_fourth_last]
لسوء الحظ، الفساد تفشى في لبنان، فإضافة إلى حقيقة أن كرسي الرئاسة ظل شاغراً لأكثر من ثمانية عشر شهراً، كان البرلمان قد مدد لنفسه لأطول فترة ممكنة. بشكل مؤثر، يبدو أن آزمة النفايات تكمن في صميم الطريقة التي تمت فيها إعادة تصميم الدولة في عام 1990 في فترة ما بعد الحرب الأهلية في لبنان. منذ ذلك الحين، تصر شخصيات بارزة في البلاد على أن مؤسسات الدولة المكلفة بتوفير خدمات المرافق العامة هي مؤسسات ضعيفة وعاجزة. فذهبت إلى استخدام هذا كعذر، وبدأ بعضهم بدعم وتعزيز خدمات المرافق الخاصة ويحولونها إلى شبكات من المحسوبيات الشخصية. أصبحت خدمات مثل جمع القمامة وتوفير الكهرباء المنزلية، والمياه، وإدارة النفايات وإعادة الإعمار وسائل لجمع ولتحويل الأموال للأصدقاء من القادة والحلفاء السياسيين.
مع مرور الوقت، يؤكد جميل معوض، وهو باحث مساعد في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، أن هذه الممارسات أفرغت المؤسسات العامة للدولة، وجعلتها تتبع سياسات تتناسب مع مصلحة جيوب موردي القطاع الخاص. “مزودي خدمات المرافق الخاصة مرتبطون مباشرة مع النخبة الحاكمة، المستفيدة من التقصير الحاصل في الخدمات العامة.”
اندلعت أزمة النفايات عندما لم تجدد الحكومة عقد شركة سوكلين “Sukleen”، وهي شركة خاصة مسؤولة عن جمع النفايات وكنس الطرقات في بيروت الكبرى وجبل لبنان. أدى واقع أكوام القمامة ذات الروائح الكريهة المنتشرة في الشوارع، إلى مواجهة اللبناني لفشل حكومته. لقد تمكن من اكتشافها وشم رائحتها.
يتمثل شلل الحكومة بشكل واضح في حقيقة أن لبنان لم يجر أية انتخابات برلمانية منذ عام 2009، على الرغم، وذلك وفقاً للدستور، من المفترض أن تجري الانتخابات كل 4 سنوات. وتتلخص المشكلة في أن الدستور يكلف البرلمان بانتخاب رئيس كل 6 سنوات لفترة واحدة في منصبه، ولكن عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان في أبريل 2014، كان البرلمان غير قادر على الاتفاق على مرشح جديد – ولم يتمكن من الاتفاق خلال الثمانية عشر شهراً الماضية. وبينما تبدو عملية التوافق للتوصل إلى اتفاق ذات مسار متعرج وتحتاج إلى عمل جراحي، جدد البرلمان ولايته لتجنب هذه المواجهة، وبالتالي وجد أعضاء البرلمان أنفسهم غير ملزمون في مواجهة إعادة الانتخاب.
في واقع الامر، رئيس البرلمان نبيه بري، كان قد وجه الدعوة لما لا يقل عن 30 جلسة لغرض انتخاب رئيس جديد للبلاد، لكن لم يتمكن البرلمان في أي من الجلسات من تحقيق النصاب القانوني لأعضائه بسبب مقاطعة الجلسات من قبل كتلة جماعة حزب الله المدعومة من إيران، وكتلة التغيير والإصلاح بزعامة الحليف ميشال عون.
الحوكمة الفعالة في لبنان يفسدها عاملين متناقضين – من جهة، حقيقة أن النظام الدستوري قائم على التقاسم الطائفي للسلطة؛ ومن جهة ثانية حقيقة أخرى في أن حزب الله، التنظيم الإرهابي المستوحى والمدعوم من إيران، قد نجح في التسلل إلى الجسم السياسي بشكل فعال بحيث أصبح دولة داخل الدولة.
في شهر آب وخلال زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إلى لبنان. العديد من المراقبين في الشرق الأوسط ألقوا باللوم على ايران في التسبب بالمأزق اللبناني. انهم يعتقدون أن إيران لا تريد رئيس في لبنان في الوقت الراهن، وتعمل وراء الكواليس لإلغاء اتفاق الطائف عام 1989، الذي اعتمد بعد الحرب الأهلية اللبنانية. الطائف عدل في التوازن التقليدي لتقاسم السلطة في لبنان، ولكن لا يزال يتعين على الرئيس أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية وعلى رئيس الوزراء أن يكون مسلم سني، ورئيس البرلمان شيعي، ونائب رئيس البرلمان ونائب رئيس الوزراء من الأرثوذكس. مثل هذا الترتيب لا يتفق مع الأهداف الدينية الرئيسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أو المرشد الأعلى.
ومع ذلك، فإن أحدث المؤشرات تدل على أن مرشح التسوية قد يكون في الواقع قاب قوسين أو أدنى من الظهور. سليمان فرنجية، الذي يرأس حزب المردة المسيحي، هو حليف الرئيس السوري بشار الأسد، ويحظى بدعم من إيران وحزب الله. ولكن من المتوقع أيضاً أن يكسب فرنجية تأييد سعد الحريري، رئيس كتلة تيار المستقبل الذي تدعمه المملكة العربية السعودية المنافس الإقليمي لإيران. وأفادت تقارير أن الرجلين قد التقيا في باريس مؤخراً. تتمثل حساسية هذه الاتفاقات في حقيقة أن والد الحريري، رفيق، أغتيل في شوارع بيروت في عام 2005، وعلى الرغم من أن التحقيق في وفاته لا تزال مستمرة، لكن يُعتقد وعلى نطاق واسع أن إرهابيين من حزب الله مدعومين من الرئيس السوري الأسد، يتحملون مسؤولية اغتياله.
وفي الوقت نفسه في يوم 20 تشرين الثاني، الصحفية نائلة تويني، وهي واحدة من عدد قليل من البرلمانيات في لبنان، عبرت عن حسرتها بسبب حقيقة أن لبنان ما زال يعاني من الفراغ الرئاسي الذي ميز عيد استقلاله الـ 72 في يوم 22 تشرين الثاني.
“البلد مثل رجل عجوز”، كما كتب، “لم تعد قادرة على مواكبة الحياة العادية. عمل مؤسسات الدولة تقريباً في حالة جمود “.
مثل سعد الحريري، تحملت نائلة تويني اغتيال والدها جبران. وهو كان من أشد المنتقدين للحكومة السورية وسياستها في لبنان، هو أيضاً قُتل في إنفجار سيارة مفخخة في بيروت، بعد عشرة أشهر فقط من اغتيال رفيق الحريري. لقد استغرق الأمر سبع سنوات لتوجيه الاتهام لإثنين من الضباط السوريين، في تشرين الأول 2012، بجريمة قتل تويني.
“انتخاب رئيس للجمهورية لن يحمينا من الإرهاب”، ما كتبته كتبت نائلة تويني، بعد أسبوع من تفجير انتحاري مزدوج في جنوب بيروت سقط فيه 43 شخصاً قتلى وجُرح 239 في منطقة برج البراجنة ذات الأغلبية الشيعية. لكنها تعتقد أن انتخاب الرئيس من شأنه أن يعيد الانتظام في عمل المؤسسات التي فقدت ثقة المواطنين.
“لقد فشلت الحكومة في حل أزمة النفايات بسبب الانقسامات الطائفية”، كما كتبت، “حزب يرشح اسماً وآخر يعترض عليه. كل ذلك مضيعة للوقت وانتهاك للدستور، طالما هناك من يعرقل انتخاب الرئيس ويقاطع جلسات البرلمان المخصصة لهذه المسألة. إنهيار البلد يضر الجميع “.
والواقع أن لبنان يقف على حافة الإنهيار.
اندلعت أزمة النفايات عندما لم تجدد الحكومة عقد شركة سوكلين “Sukleen”، وهي شركة خاصة مسؤولة عن جمع النفايات وكنس الطرقات في بيروت الكبرى وجبل لبنان. أدى واقع أكوام القمامة ذات الروائح الكريهة المنتشرة في الشوارع إلى مواجهة اللبناني لفشل حكومته. لقد تمكن من اكتشافها وشم رائحتها.
[starbox id=”none”]