يحافظ [الجهاد العالمي/ Global Jihadism] والذي يعرف أيضاً بـ”التطرف الجهادي”، على موقعه كأكثر أشكال التطرف العنيف التي يتم التركيز عليها في يومنا هذا، “المصطلح” يشير إلى الأعمال التي يسوغها أصحابها استناداً إلى تفسير معين للإسلام، والتي شكلت حركة إيديولوجية عنفية عالمية النطاق، يمكن أن يكون المنخرطون في صفوفها أفراداً منظمين أو جماعات أو شبكات أو منظمات على حد سواء.
قصص الهجمات الإرهابية التي ارتكبتها القاعدة، ومؤخراً تلك التي يرتكبها تنظيم الدولة، في أوروبا وشمالي إفريقيا؛ اكتسحت وسائل الإعلام في الغرب والشرق منذ التسعينيات، ورغم أن هذه الهجمات في معظمها – بما فيها بعض الإعدامات العلنية لـ “جواسيس” أو أعداء آخرين – تطال بشكل لا لبس فيه مناطق غرب آسيا وشمالي إفريقيا – فإن التركيز ينحصر لإي تأثير هذه الجماعات على الدول الغربية. لماذا إذن تحظى حوادث الجهاد العالمي باهتمام أكبر من أي شكلٍ آخر من أشكال التطرف العنفي؟
وفقاً لبيانات صادرةٍ عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) والتي قامت مجموعة لوون وتش التابعة لجامعة برينستون على تجميعها، تشكل الهجمات الإرهابية التي ارتكبها إسلاميون متطرفون على التراب الأمريكي 6% منذ عام 1980 وحتى عام 2005، بينما تشكل الأعمال المرتكبة من قبل الجماعات ذات الأصل اللاتيني 42%، أما جماعات اليسار المتطرف فمسؤولة عن 24%، والمتطرفون اليهود مسؤولون عن 7%.
يشير تقرير يوروبول السنوي حول وضع وتوجه الإرهاب في الاتحاد الأوروبي – وهو تقرير يعطي نظرة عامة عن ظاهرة الإرهاب في سنة محددة – إلى أن جميع الهجمات الإرهابية التي يكون الدين محركها (ويتضمن ذلك اليهودية أو النصرانية أو الإسلام أو البوذية، وغيرها من الديانات) الحاصلة في الاتحاد الأوروبي بين عامي 2009 و2013 قد سجلت نسباً تقل عن 2%. ومن بين 1088 هجوماً إرهابياً نُفّذ على التراب الأوروبي هناك 12 هجمة فقط حصلت بدافع ديني أو كانت مرتبطة بمنظات إرهابية مثل القاعدة أو تنظيم الدولة. ولكن عدد المشتبه بهم الذين اعتقلوا بداعي الإرهاب الجهادي المدفوع دينياً قد ارتفع مؤخراً بين عامي 2011 و2015 (122، 159، 216، 395، 687 على التوالي).
وبناءً على التقارير السنوية الصادرة عن يوروبول فإن أغلبية الهجمات الإرهابية الحاصلة في الاتحاد الأوروبي قد ارتكبتها منظمات وجماعات انفصالية دفعتها لارتكابها إما معتقدات قومية–عرقية، أو عنصرية يمينة أو فوضوية يسارية أو ارتكبت وفق معتقدات ماركسية–لينينية. إذن ما الذي يبين الفرق في السمعة السيئة بين التطرف الجهادي والضروب الأخرى من التطرف؟
أعلنت القاعدة وتنظيم الدولة “الجهاد”، ليس ضد جماعة معينة أو بلد معين، بل ضد العالم بأسره، ولذلك نسميها عالميةً. ومنذ إعلان أسامة بن لادن “الجهاد” ضد الأمريكيين “المحتلين لبلاد الحرمين الشريفين عام 1996″؛ أصبح تطرف الجماعات الجهادية شأناً دولياً. وبينما يمكن حصر ضروب الإرهاب الأخرى من حيث المكان أو المجموعات التي تضمها أو تستثنيها؛ فإن الجهاد العالمي يستثني عشواءً جميع من سواها بتقسيمٍ ازدواجي بين المؤمنين والكفّار.
لقد أعطى اختراق الجهاديين العالميين الذي يعد ناجحاً نسبياً (سواء كانوا مجندين أو عائدين أو خلاف ذلك) للمجتمعات الأوروبية معنى للخطاب الجهادي، ومقصدي بالخطاب: استخدام اللغة كوسيلة للإقناع من أجل الوصول لغاية سياسية. ووفقاً لخطابهم فهم يخططون لحكم العالم ويعتقدون – بحسب فهمهم – بأن الإسلام سيسود، ويعِدون بمجتمع فاضل دون أي تفريق قائم على الأصل أو اللغة أو اللون أو العرق.
بدأ تنظيم الدولة مؤخراً بالاعتماد على وسائل الإعلام العالمية – ولا سيّما الغربية منها – لإرسال رسائله المحملة بالخوف والانقسام عبر العالم. وباستخدامه لهذه البنى الموجودة مسبقاً أصبح تنظيم الدولة قادراً على توظيف استراتيجة بروباغاندا ناجعة مصممة لجماهير مختلفة. هكذا، وخلافاً للجماعات العنفية المتطرفة الأخرى، يعمد تنظيم الدولة إلى استخدام الانتشار “الفيروسي” بوصفه دعامة رئيسية لسياسة ترهيب المجتمعات الغربية، منذراً بإمكانية وقوع المزيد من الهجمات اللاحقة.
مع أن الأسباب التي تدفع الفرد لارتكاب الإرهاب تختلف في كل حالة تقريباً، هناك توجه متزايد للاعتقاد بأن جميع حوداث الإرهاب تحدد ظاهرة معينة. ولذلك فإن هذا التوجه المتزايد قد أفضى إلى حوادث مختلفة ومختلطة في بلدان مختلفة كأمثلة عن التطرف الجهادي مما أدى لتضخيم التهديد والمبالغة في حجمه. وقد تضاعفت المبالغة نتيجة الخلط الذي أُرجأ البت فيه بين الإسلام الذي هو – من بين أمور أخرى- لاهوت، معتقد وثقافة، والإسلاموية، التي تشير ضمن نطاقٍ واسعٍ ومبهم، إلى أيديولوجية الحركات الإسلامية المحافظة التي تتدرج بين الإصلاحيين اللاعنفيين، والشرعيين والآخذين النصوص والمتزمتين وصولاً إلى دعاة العنف والتطرف.
كما أن التحيز القائم على أن “الأقرب أهم”، والمرتبط بالقرارات التجارية الرامية إلى تروجي الأخبار أكثر في وسائل الإعلام الغربية؛ أمرٌ جوهريٌ أيضاً، فالقصص التي تتناول “الآخر” المخيف تنجح أكثر في وسائل الإعلام وتحظى بقاعدة أوسع من القرّاء.
مجمل القول، أن “الجهاد العالمي” يبقى أكثر أشكال التطرف العنيف التي تتم الإشارة إليها على نحو سلبي ومتكرر، لأنه ليس محدوداً بمكان، ولا يستثني جماعة معينة، ولأن خطابه يبث الهلع بين أعدائه بينما يبدو جذاباً لمناصريه، ولأن التهديد الذي يشكله مُضخَّم، إضافة إلى أن البروباغادا التي ينشرها، ولاسيّما تلك التي يستخدمها تنظيم الدولة، أثبتت نجاعتها نسبياً.
الكاتب حكيم خطيب
ترجمة: محمد الكاتب
رابط المقال بعنوانه الأصلي على أورينت نت الصفحة الإنكليزية:
Why global Jihadism remains notoriously in spotlight today