زهير هو عنصر أمن من أصول مهاجرة، كان يوم الجمعة واحد من بين عدد من رجال الأمن الذين منعوا إنتحاريي باريس من الدخول إلى ملعب (دو فرانس) في المدينة. المهاجمون أُجبروا على تفجير أنفسهم خارج الملعب بالقرب من مطعم (ماكدونالد).
القلة يعرفون إعلامياً عن خلفية السيد زهير، الذي وصف لصحيفة (وال ستريت جورنال) ما حدث في الملعب، حيث كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من بين 80,000 شخص يتابعون لقاءاً ودياً بين فرنسا وألمانيا.
ما هو واضح أن زهير يقدم مظهراً مميزاً بين أفراد المجتمع الفرنسي المسلم، ولو أن الكثير من المهاجرين يشعرون بالإقصاء والتهميش واليأس، في بلد مازال على طريق التحول إلى مجتمع هجرة.
مثل أحمد مرابط، ضابط الشرطة الذي قتل في باريس في يناير الماضي خلال هجوم أخوين على (شارلي ايبدو)، المجلة الساخرة التي سخرت من دينه عدة مرات، أيضاً كان زهير يقف حارساً لرمز يمثل فرنسا، المنتخب الوطني الفرنسي لكرة القدم، حيث أن شباب مسلمين مضللين جاؤوا ليعلنوا رفضهم أن يمثلهم هذا الرمز.
وبدلاً من ذلك، فهم غالباً ما يشجعون المنتخبات الوطنية للجزائر والمغرب وبعض الدول الإفريقية الأخرى. رفضهم هذا التمثيل هو أقرب ما يكون إلى حالة الجمهور المصري المتشدد، الذي رفض تشجيع المنتخب المصري لأنه كان بالنسبة لهم منتخب الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك وليس منتخب مصر.
[one_fourth_last padding=”0 10px 0 10px”][/one_fourth_last]
المفارقة بين زهير حارس الأمن، والمهاجمين الإنتحاريين المسلمين الثلاثة، تشير إلى أن اختيار ملعب (دو فرانس) كواحد من الأهداف لهجمات يوم الجمعة، لم يكن ببساطة فقط لتواجد عدد كبير من الحضور. المفارقة أصبحت واضحة عندما أعلن لاسانا ديارا، لاعب خط وسط المنتخب الفرنسي، أن ابن عمه قُتل في هجوم داعش بينما كان يلعب في الملعب.
استهداف الملعب يتناسب مع أهداف تنظيم الدولة (داعش)، الذي أعلن مسؤوليته عن الهجمات، بما سيؤدي من استقطاب المجتمعات وتفاقم التوتر الاجتماعي ومن المزيد من التهميش للمهمشين أصلاً.
ملعب (دو فرانس) هو واحد من عشرة ملاعب اختيرت لاستضافة البطولة الأوربية عام 2016، وهي أول بطولة دولية كبرى لكرة القدم تقام في فرنسا منذ نهائيات كأس العالم عام 1998.
من خلال حصر التركيز على التصعيد الأمني وإعلان الحرب، مترافقا ذلك مع تصاعد مشاعر الكراهية ضد المسلمين في أعقاب هجمات باريس، ضد الجماعات الإسلامية التي كانت فرنسا وأوربا بشكل عام قد دخلت في حرب ضدها بشكل مسبق منذ عام تقريباً، فإن القادة الأوربيون يجازفون بأن يصبحوا مساعدين لتنظيم الدولة الإسلامية.
الفشل في تبني سياسات اجتماعية واقتصادية محلية من شأنها أن تقوض إجتذاب داعش للشباب الساخط والذي يشعر أن ليس لديه الكثير ليخسره، فإن الأوربيون يعمقون الفجوة ما بين زهير والمهاجمين الانتحاريين، الأمر الذي يجعل من المنتخب الوطني الفرنسي لكرة القدم، والذي كان يعكس صورة فرنسا في حالتيها الأفضل و الأسواء، رمزاً للإنقسام.
يرى بعض المحللون، أن هجمات باريس تشكل إعلان بداية نهاية داعش، من خلال الدعوات لمواجهة عسكرية أشد ضدها في العراق وسوريا. المشكلة أن ساحة المعركة تمتد إلى ما هو أبعد من قواعد داعش في الشرق الأوسط، ولن يكون الحل بمجرد هزيمة المجموعات الجهادية عسكرياً.
الكفاح ضد ما تمثله داعش يحتاج إلى شن الحرب على عاصمتها الرقة السورية، بقدر ما يحتاج إلى شن الحرب على الأحياء اليائسة وعلى الأقمار الصناعية في المدن الفرنسية التي تزود الجهاديين بأضخم وحدة من المقاتلين الأجانب الأوربيين، والأحياء المكتظة في تونس التي يمثل مواطنوها أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا، وعلى السعودية التي كان شبابها يمثل ثاني أكبر عدد من المقاتلين الأجانب والذين دأبوا لسنوات طويلة في الترويج للفكر المتشدد غير المتسامح وتفسير الإسلام بشكل يجعله أرضاً خصبة لنمو الجهاديين بشكل أكثر تأثيراً من تفسيرات المفكرين الإسلاميين المتشددين أمثال سيد قطب، وعلى العواصم الغربية بقيادة واشنطن التي تنظر إلى الإنظمة الرجعية القمعية مثل تلك الموجودة في السعودية ومصر على أنها جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة.
تداعيات فشل الحكومة الفرنسية في محاربة التمييز والتهميش في الوطن الفرنسي بذات الحماسة التي يفضلها أولاند في محاربة داعش في أعقاب هجمات باريس، يتجلى في صعود وهبوط المنتخب الفرنسي. عندما فاز المنتخب الذي كان يتكون في غالبية لاعبيه من أصول مهاجرة مسلمة بكأس العالم عام 1998، تم تكريمه على أنه نموذج لنجاح التعددية الثقافية الفرنسي. انتصار المنتخب أحتفل به الشعب الفرنسي بغض النظر عن الخلفية الثقافية والإثنية.
القليل من الوقت على هذا النجاح، أقل من عشر سنوات عندما سبب المنتخب إحراجاً لفرنسا خلال نهائيات كأس العالم عام 2010 في جنوب إفريقيا. لاعبوا المنتخب ثاروا ورفضوا التدريب، وفي نهاية المطاف مثلَ المنتخب وصمة عار لفرنسا في ذات اللحظة التي أنقضَ فيها منافسه الألماني في كرة القدم لينتزع تاج التعددية الأوربية الناجحة.
خلال 12 عاماً بين النصر والإهانة، شهدت فرنسا أسواء أعمال الشغب العرقية في الضواحي التي تقطنها أغلبية مسلمة في ضواحي المدن الكبرى. زين الدين زيدان الذي يُنظر إليه على أنه واحد من أفضل لاعبين جيله، أُعطيَ البطاقة الحمراء خلال نهائيات كأس العالم عام 2006 بسبب قيامه بنطح رأس لاعب آخر، زعم أنه شتم النبي محمد. إحتفالات العام الماضي في فرنسا بهزيمة الجزائر على يد روسيا خلال التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2018 أثارت أعمال الشغب، الأمر الذي دفع حينها زعيمة الجبهة الوطنية ماري لوبان للمطالبة بإلغاء القانون الذي يجيز إزدواج الجنسية للمواطن الفرنسي.
“في هذا المناخ من الرعب، إنه من المهم لنا جميعاً أن نمثل بلدنا وتنوعه ولنتكلم بصوت عالي وأن نبقى موحدين في وجه الإرهاب الذي لا لون له ولا دين. دعونا مع بعض ندافع عن الحب والاحترام والسلام” هذا ما قاله ديارا. نداءه هذا هو أمر محتوم على القادة المسلمين كما هو كذلك على أولاند والقادة الأوربيين في جو تتصاعد فيه مشاعر العداء والخوف من المسلمين وكراهية المهاجرين وكراهية الأجانب.
الكفاح ضد ما تمثله داعش يحتاج إلى شن الحرب على عاصمتها الرقة السورية، بقدر ما يحتاج إلى شن الحرب على الأحياء اليائسة وعلى الأقمار الصناعية في المدن الفرنسية التي تزود الجهاديين بأضخم وحدة من المقاتلين الأجانب الأوربيين، والأحياء المكتظة في تونس التي يمثل مواطنوها أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا، وعلى السعودية التي كان شبابها يمثل ثاني أكبر عدد من المقاتلين الأجانب والذين دأبوا لسنوات طويلة في الترويج للفكر المتشدد غير المتسامح وتفسير الإسلام بشكل يجعله أرضاً خصبة لنمو الجهاديين بشكل أكثر تأثيراً من تفسيرات المفكرين الإسلاميين المتشددين أمثال سيد قطب، وعلى العواصم الغربية بقيادة واشنطن التي تنظر إلى الإنظمة الرجعية القمعية مثل تلك الموجودة في السعودية ومصر على أنها جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة.
[starbox id=”none”]