يبدو أن الدين في الشرق الأوسط يحدد الحلفاء والأعداء داخل وخارج الحدود السياسية. إيران الشيعية تتحالف مع الحكومة العراقية ومع المتمردين الحوثين في اليمن ومع حزب الله في لبنان ومع القوى المعارضة في البحرين ومع النظام السوري. في حين أن الدول السنية كالمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ومصر وتركيا والعناصر السنية في المنطقة تشكل تحالفاً في وجه ما يسمى توسع النفوذ الإيراني. هناك نمط من التحالفات في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن المغالطة فيه، حيث الجمهوريات والممالك والقوى الفاعلة تعرف حلافائها وأعدائها استناداً لأبعاد طائفية، الأمر الذي نستطع ملاحظته في اضطهاد الأقلية للأكثرية عندما يكون الأمر ممكن و كذلك العكس في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك في إسرائيل. بناء على هذه الأنماط من التحالفات فقد ظهرت فكرة خاطئة حول طبيعة العلاقة بين السياسية والإسلام في الشرق الأوسط. فمن جهة، انتشر افتراض بأن الإسلام، بسبب خصائص محددة في الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية، يهيمن على الحياة السياسية في الشرق الأوسط وبالتالي فهو يقود المنطقة نحو الاستبداد والنزاعات التي طال أمدها. ومن جهة أخرى، فأن رؤية الإسلام كإطار أخلاقي للسياسة تبدو أمراً مقبولاً بشكل واسع في الشرق الأوسط بالتالي فإن أي فصل بين الدين والسياسة سيؤدي بضرورة إلى مزيد من الاستبداد والصراع!.
يمكننا ملاحظة أن بروز الدين في السياقات السياسية في كل من العراق وسوريا والمملكة العربية السعودية والبحرين واليمن، على سبيل المثال، لا يخضع لخصائص معينة في الدين الإسلامي أو في الثقافة الإسلامية وإنما يدل على استغلال الدين في التعبئة والمزايدات والصراعات السياسية. الاستخدام السياسي للإسلام يؤدي إلى حلقة سياسية مفرغة مما يزيد من التطرف ويعمق الانقسام ويعيق التقدم السياسي نحو الديمقراطية.
من بين أمور أخرى فإن دول الشرق الأوسط تتشارك بعاملين اثنين: نموذج حكم استبدادي وتركيز السلطة بيد عدد قليل من الأفراد في كل بلد. لذلك في منطقة مقسمة عرقياً ولغوياً مثل الشرق الأوسط يكون الدين وسيلة فعالة لتعبئة الجماهير والحفاظ على السلطة بيد النخب الحاكمة والإبقاء على بنى تضع العامة تحت المراقبة المستمرة. تساهم الانقسامات الدينية في خلق الهياكل السياسية والاجتماعية التي تفرض الوضع الراهن في الشرق الأوسط. وفقاً لمؤشر الانقسامات اللغوية فإن إيران والأمارات العربية المتحدة وقطر والعراق والبحرين وسوريا ولبنان هي من أكثر الدول تشرذماً من حيث اللغة في المنطقة، كما أن لبنان والكويت والبحرين والعراق وسوريا هي من أكثر الدول تشرذماً من حيث الدين.
في العراق، صدام حسين الذي ينحدر من الأقلية السنية قمع الأكثرية الشيعية (بعد ديني) كما قمع الأقلية الكردية (بعد لغوي عرقي) بهدف الحفاظ على السلطة حيث حكم العراق بقبضة من حديد بين عامي ١٩٧٩ – ٢٠٠٣ حتى هزيمته إثر الغزو الأمريكي. منذ عام ٢٠٠٣، وذلك بفضل المساعدات الأمريكية، استولت الأغلبة الشيعية على السلطة حيث وضعت الأقلية السنية تحت ضغط اقتصادي واجتماعي وسياسي. وبذلك فإن التهميش الذي عانت منه الأغلبية الشيعية تحت حكم صدام حسين مارسته على الأقلية السنية منذ عام ٢٠٠٣.
في سوريا، فإن الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية تم تهميشها واضطهادها من قبل الأغلبية السنية قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. بعد نجاح حزب البعث في الاستيلاء على السلطة في عام ١٩٦٤، فإن الموازيين انقلبت لصالح الأقلية العلوية حيث قام حافظ الأسد بتوطيد سلطته في عام ١٩٧٠ وبقي في السلطة حتى وفاته عام ٢٠٠٠. حكمه عزز أنماط من التفضيل وفقاً لأبعاد طائفية في مجتمع مشرذم للغاية. حافظ الأسد وولده بشار الأسد تحالفا مع إيران وحزب الله لتأليف مايسمى بمحور المقاومة ضد المؤمرات العالمية والامبريالية الغربية. علاوة على ذلك تم تهميش واضطهاد الأغلبية السنية وحرمانها بشكل كبير من المناصب الحساسة في البلاد. هذه الأنماط من التفضيل تتبلور أكثر عندما نبحث في جذور الانتفاضة السورية في عام ٢٠١١ والتي تحولت إلى حرب أهلية.
من ناحية فإن معظم اللاجئين السوريين وقوات المعارضة ينحدرون من الأغلبية السنية. بينما العديد من المسيحيين والشيعة والعلويين لازالوا يدعمون النظام السوري رغم وحشيته واستبداده في الحكم. في حال انهيار السلطة في سوريا، فهناك القليل من الأدلة على أن الأقليات المسيحية والشيعية والعلوية سيتمتعون بنفس الحقوق والأمن التي ربما ستتمتع بها الأغلبية السنية المنتصرة. لزيادة التعقيدات على الوضع السوري، فإن المملكة العربية السعودية تؤيد عناصر من السنة ولكن المتشددين منهم فقط، في حين أن قطر وتركيا تدعما العناصر السنية ذات الميول لجماعة الأخوان المسلمين أما إيران وحزب الله فهما يؤيدان النظام السوري منذ اليوم الأول.
في اليمن، شن الائتلاف المكون من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت والأردن والمغرب ومصر والسودان والباكستان غارات جوية تحت عنوان “عاصفة الحزم” ضد المتمردين الحوثين بدعوة الدفاع عن شرعية الحكومة اليمنية التابع لعبد ربه منصور هادي. الحوثيون هم أقلية شيعية في شمال اليمن تم اتهامهم بتلقي الدعم إيران. في خضم الغارات الجوية فإن العديد من المدنيين اليمنيين بينهم أطفال قد قتلوا على غرار ما نراه في سوريا. قدرات الحوثيين، العدو الرئيسي للقاعدة في اليمن، قد تم تقليصها إلى حد كبير حتى الآن من خلال الحرب المباشرة مع السعودية وحلفائها. وصف نعوم تشو مسكي أخر الضربات الجوية ضد اليمن بإنها “شكل متطرف من الإرهاب”. “اليمن كان الهدف الرئيسي لحملة اغتيال عالمية – أكثر حملة إرهاب عالمية استنائية في التاريخ – حيث أنها تهدف رسمياً، كما هو الحال في الضربة الماضية إلى تصفية الناس الذين يشتبه بأن يكونوا خطراً محتملاً على الولايات المتحدة الأمريكية،” كما صرح تشو مسكي في مقابلة على قناة روسيا اليوم.
في المملكة العربية السعودية، تضطهد الأغلبية السنية الأقلية الشيعية خطابياً ودستورياً في حين أن العائلة المالكة في البحرين، بدعم من حلفائها في الخليج، تضطهد الأقلية الشيعية. من ناحية الشيعة الذين يظهرون إيمانهم سراً أو علانية فقد يواجهون السجن في المملكة العربية السعودية، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس وتش. “التمييز الرسمي ضد الشيعة يشمل الممارسات الدينية والتعليم ونظام العدلة. يتم استبعاد المسؤولين الحكوميين الشيعة من بعض الوظائف العامة ومسائل السياسات كما يتم الاستخفاف بإيمانهم علناً”، وفقاً لتقرير ٢٠١١عن المملكة العربية السعودية.
البحرين، من جهة أخرى استدعت قوات الدعم الخليجية لقمع الاحتجاجات باستخدام الذخيرة الحية في القرى التي تسكنها الأقلية الشيعية. “يعاقب البحرين بقسوة أولائك الذين احتجوا سلمياً من أجل مزيد من الحرية والمسائلة في حين نظرت الولايات المتحدة وحلافائها الآخرين باتجاه الآخر”، ما قاله جو ستورك نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس وتش.
اختيار الدول ذات الأغلبية السنية دعم المطالب الثورية في سوريا ونكرانها في البحرين والسعودية واليمن ليس سوى بعد طائفي لسياستها الخارجية. وفقاً لذلك ايضاً فإن اختيار إيران ذات الأغلبية الشيعية وحزب الله وحلافائهم دعم المطالب الثورية في اليمن والبحرين و نكرانها في سوريا والعراق لا يمثل إلا بعداً طائفياً أيضاً. لايوجد أي دليل على أن الإسلام كدين هو وحده الذي يفرض ممارسات كهذه لذا فإن هذه الممارسات تظهر كمنتج لمزيج من عوامل ثلاثة، ضمن عوامل أخرى، وهي النظام الاستبدادي وتركيز السلطة والأيديولوجية. يبقى الدين عامل تحديد الانتماء وليس الهوية، على سبيل المثال، من المرجح أن شخصاً شيعياً سيدعم المتمردين الحوثين في اليمن أكثر من معارضيهم، في حين أنه من المرجح أيضاً أن شخصاً سنياً سيدعم المتمردين في سوريا أكثر من معارضيهم.
في الماضي عانى اليهود من التمييز والقمع والقتل خاصةً في بداية القرن العشرين لإنهم كانوا يشكلون أقلية في نظم غير ديمقراطية. رغم ذلك في هذه الأيام في إسرائيل هناك ممارسات استبدادية ضد الأقلية الفلسطينة الغير يهودية، ليس هناك من دليل على أن اليهودية، كدين، وحدها الدافع لهذه الممارسات بل تظل عامل تحديد الانتماء السياسي.
الاستبداد لا يتشكل بسمات عرق أو دين معين وإنما هو عامل يمكن أن يشترك به اللبراليين والعلمانيين والشيوعيين واليساريين والإسلاميين والصهاينة في الشرق الأوسط. لا الاستبداد ولا تركيز السلطة ولا الدين كلاً على حدا يمكن أن يكون أياً منهم السبب الرئيسي الوحيد لخلق هذه الأنماط من التحالف والعلاقة القمعية بين الأقليات والأكثريات إذ لا بد من أن يكون مزيجاً، ضمن جملة أمور أخرى، بين الاستبداد السلطوي وتركيز السلطة في يد مجموعة صغيرة والاستخدام الديني للأيديولوجية.
لايوجد أي دليل على أن الإسلام كدين هو وحده الذي يفرض ممارسات كهذه لذا فإن هذه الممارسات تظهر كمنتج لمزيج من عوامل ثلاثة، ضمن عوامل أخرى، وهي النظام الاستبدادي وتركيز السلطة والأيديولوجية. يبقى الدين عامل تحديد الانتماء وليس الهوية، على سبيل المثال، من المرجح أن شخصاً شيعياً سيدعم المتمردين الحوثين في اليمن أكثر من معارضيهم، في حين أنه من المرجح أيضاً أن شخصاً سنياً سيدعم المتمردين في سوريا أكثر من معارضيهم.
الكاتب حكيم الخطيب
ترجمة فريق إم بي سي جورنال
حقوق النشر محفوظة
يمكن الأطلاع على المادة بالأنكليزية هنا